ألقى عليّ أحدُ الزملاء في العمل التحية، ولاحظتُ تأثراً بادياً على قسمات وجهه، فرددتُ عليه التحية، وبادرتُه بالسؤال: ممَ تشكو؟ أرجو أن يكون الوالدان بخير!
وهذا سؤال اعتاده مني، فهما طاعنان في السن، وهو بَرٌ بهما، يعيشان في كنفه، ويحظيان بعناية فائقة منه، فرد علي: اليوم تلقى الوالد مكالمة من الهلال الأحمر الإماراتي يسألون عن حاله وحال الوالدة ويطمئنون عليهما، مرّت لحظات صمت، ثم عدنا للحديث، وكلٌ منا يقول للآخر، وإن اختلفت الألفاظ: نحن نعيش في بلد لا كغيره، يعاملُنا كأبناء، ثُم خلُصنا إلى أنه لو طلب قادة الإمارات منا جميعا حمل السلاح للدفاع عن هذا البلد للبينا نداء الواجب.. تلك مشاعرُ تتكرر دائماً في أحاديثنا نحن المقيمين على أديم بلاد زايد وأبناء زايد.
وفدتُ إلى هذا البلد الطيب عام 1998 للدراسة على نفقة حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حفظه الله وأطال عمره، ودرستُ وعملتُ طوال هذه الفترة داخل الدولة، ولم أغادرها منذ أكثر من عقدين إلا لسنوات معدودة، ولم أنقطع عن هذه الأرض، بل كنت أتردد عليها بشكل دائم على أمل أن أعود.
قرابة عقدين من الإقامة لم أتلقَّ خلالهما يوما ما لا يسرني من أي مواطن إماراتي، بل على العكس، لم يحصل أن انتظرت في الطابور وتقدم عليّ شخصٌ مستغلاً كونَه مواطناً، فالجميع يعاملني باحترام، لا أشعر معه كمقيم بالغربة، وجميع المقيمين يتحدثون عن الملاحظة نفسها.. الكل متفق على تقدير المواطن الإماراتي للمقيم في هذا البلد.
إن العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الإمارات علاقةُ محبة وودٍ، وأقرب ما يمكن أن توصف به علاقةُ الوالد بولده، ومن هنا يأتي تقدير المواطن الإماراتي للمقيم على أرض الدولة؛ حيث يستقي ذلك من تأكيد ولاة الأمر على الاهتمام بالمقيمين في هذا البلد، فكلنا يتذكر كلمات الشيخ زايد رحمه الله في رسالة إلى المواطن الإماراتي حين قال: “لا أريد من الشعب الإماراتي أن يُسمِعَ الوافدَ أي كلمة تجرح نفسه أو خاطره أبدا، ولا يرضينا إلا من يتحدث بالكلام الطيب والتقدير والاحترام، ومن يفعل فهو المواطن الذي يرضينا ويفرحنا”.
وعلى تلك المحجة البيضاء الطيبة يسير ولاةُ الأمر في الإمارات، فقبل أيام تحدث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، أن عينه دمعت عند سماعه بعض المقيمين يغنون النشيد الوطني، وقال بالحرف: “حفظكم الله أنتم في بلد مخلصون له وأنتم مثل أهله، وسنتخطى هذه المرحلة إن شاء الله سالمين غانمين بكم، حفظكم ربي وشكرا”، وأضاف أيضا في حديث آخر: “كل عمل تقوم به دولة الإمارات لحماية أهل الدولة والمقيمين بها جميعا أمانة في رقابنا فلا تحملوا هما”.
وقبل أيام، أطلق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، خدمة لحماية كبار المواطنين والمقيمين، وذلك بمنحهم الأولوية في الخدمات.
والواقع أن جميع حكام الإمارات يولون المقيمين في هذا البلد اهتماما كبيرا لا يجده أي مغترب في العالم، وفي وقت يمر فيه العالم كله بظروف غاية في الصعوبة خلال مواجهة فيروس كورونا، وتقف الدول الصناعية عاجزة عن توفير الغذاء والدواء لمواطنيها أو المقيمين فيها، ففحص كورونا في الدول الأوروبية جميعها غير مُتاحٍ إلا لشخص تبدو عليه الأعراض بشكل كامل، بل وصل الأمر في بعض هذه الدول لأن تمنح الأولوية في أجهزة التنفس وأسرة الإنعاش حسب العمر، فالشخص المسنُ الذي يعاني من أمراض مزمنة يُترك يواجه الموت لإنقاذ شخص أحدث سنا!
أما دولة الإمارات فقد قدمت نمطا مغايرا كليا، يبشر بأن الإنسانية ما تزال بخير، وأن للأخلاق حماة مدافعين عنها؛ حيث وفرت الدولة مراكز للفحص في الشارع، تدخلها بسيارتك لتجري الفحص، كما أعلنت افتتاح أكبر مركز فحص في العالم خارج الصين، جُهِّز خلال أسبوعين ويحصل فيه المواطنون والمقيمون على الخدمات الطبية دون تمييز، وهذا ينطبق على المحجورين صحياً، فهم متساوون، فمثلاً الشيخ زايد بن محمد بن زايد وصل في آخر طائرة تقل طلاب الإمارات من أمريكا، والتزم بالحجر الصحي كغيره.. الجميع في هذا البلد سواسية كأسنان المشط.
جميع المقيمين في الإمارات اليوم محظوظون، ويحمدون الله أنهم موجودون في هذه الظرفية في هذا الوطن؛ حيث لن يحصلوا على الرعاية الصحية التي تقدم لهم اليوم في بلدانهم، ويتساوى في ذلك مواطنو العالم المتقدم والدول النامية.
رسائل الطمأنة التي تصل للمقيم في هذا البلد من القادة السياسيين عززت شعوره بالانتماء لهذا البلد، وقوّت ارتباط المقيمين بهذه الأرض المباركة، وأكسبتهم الولاءَ لها بدرجة قد تفوق ولاءهم لدولهم الأصلية أو تساويه، وكما يقال قديما: وطن الإنسان أينما يجد الظل والماء والأمان.
جميل هذه البلاد في أعناق المقيمين.. هذه شهادتي في حق وطني الإمارات.