أحمد الربيزي يكتب:

“مناعة القطيع” في مواجهة وباء كورونا

سياسة اكتساب مناعة مجتمعية او ما تعرف بــ “مناعة القطيع” سياسة قديمة تتخذها الدول في محاربة الأوبئة التي تنتشر فيها، بحيث تتركها في الانتشار مع معالجة أعراضها فقط، ولا تتخذ أجراءات وقاية صارمة كالحجر الصحي الوقائي او عزل المجتمعات، بل تترك الفايروسات الوبائية لتنتقل وتصيب نسبة كبيرة من المجتمع وعند تعافى ما نسبته 60% من المجتمع فقد كسب المجتمع الذي انتشر فيه الفيروس الوبائي مناعة مجتمعية، وعندها يصعب أنتشاره من جديد حتى عند الإصحاء، بما يشبه الى حد ما حملات التلقيح من الأمراض التي يتم القضاء عليها بحملات التلقيح كوباء الجدري، او الأمراض الخمسة التي يتم تلقيح الأطفال بها، (السعال الديكي، والحصبة، وشلل الأطفال، والدرن) وغيرها من الأمراض التي يتم التلقيح بها كوقاية منها او الإصابة بها مرة في العمر كوقاية منها.

وبقدر ما تتجنب الدول التي تتخذ سياسة “مناعة القطيع” التكلفة الاقتصادية الكبيرة التي تتكلفها سياسة العزل والحجر الصحي المجتمع الالزامي وتقليل ساعات العمل أو توقيفها، الا انها تتعرض لانتقادات إنسانية لاذعة، بأعتبارها لا تراعي كبار السن وذوي الأمراض المزمنة، لانهم أكثر عرضة لان تفتك بهم الأوبئة التي تجتاحها.

واليوم في عصر الجائحة الوبائية العالمية كورونا اتخذت غالبية دول العالم سياسة الحجر الصحي المنزلي الالزامي وعزل المجتمعات، وحصار محكّم لوقف انتشار وباء كورونا، وتعد الصين التي تعتبر الموطن الأول لفيروس (كوفيد-19) وأول دولة واجهت انتشاره بالقبضة الحديدية والعزل والحجر الصحي الالزامي الذي فرضته على مدنها ومناطقها، وحققت نجاحات كبيرة في الحد من انتشار الوباء وبتقليل عدد الوفيات، وقد حذت غالبية دول العالم حذو الصين، حتى وصل عند بعض الدول التي فرضت الطوارى، الى منح قواتها المسلحة تفويض بأستخدام القوة لتطبيق الحظر الالزامي،

سياسة “مناعة القطيع” وتراجع بريطانيا

رغم خطورة سياسة “مناعة القطيع” للتعامل مع فيروس (كوفيد – 19) الذي أكدت الأبحاث العلمية الى ان جيناته في حالة تطور مستمر الأمر الذي عرقل العلماء من إيجاد له لقاح محدد، وأكتسابه طرق عديدة للانتقال الى جسم المصاب، واطواره العديدة التي يمر بها في جسم المصاب، ويرى الكثير من العلماء خطورة وسرعة انتشاره، الأمر الذي لا ينصح بالتعامل معه وفق سياسة “مناعة القطيع” ولا ننسى ان بريطانيا في بداية انتشار الوباء قللت من خطورته، مستخدمة سياسة “مناعة القطيع” الا انها سرعان ماتراجعت عنها عندما أكتشفت أنتشاره السريع المذهل الذي جعل الحكومة البريطانية تترنح من هول المفاجئة المرعبة.

السويد وهولندا مخاطرة الى أين؟!

في ظل تشدد دول العالم في محاربة وباء كورونا، واتخاذ قرارات فرض حالة الطوارئ بتوقف حركتها الاعتيادية جراء ما اتخذته قرارات صارمة في مواجهة الجائحة الوبائية لفيروس كورونا الذي اجتاح العالم واوقف حركة اقتصادها في غالبية جوانبه الصناعية والانتاجية والتسويقية وأحدث أزمات متلاحقة قد لا تظهر بعضها حاليا ولكنها ستظهر لاحقا، كل هذا المشهد المتسارع الذي يمر علي دول العالم نتيجة هذا الوباء كان سببه السياسات الصارمة التي اتخذها الدول في مواجهة هذا الوباء الفتاك.
في أوروبا، وفي مشهد مغاير لما يمر به العالم فظلت دولتين من دول أوروبا هي السويد وهولندا التان تفردتا باتخاذ طريق غير متوقع لمواجهة الوباء كورونا القاتل، ومنذ بداية ظهوره وانتشاره المحدود في بلديهما اتخذتا ما يعرف بسياسة “مناعة القطيع” او مناعة المجتمع، ولهذا لم يطرى اي جديد على حياة الناس الاعتيادية في هولندا والسويد، مع أكتفاء الدوائر الصحية في هاتين البلدين بنشر تحذيرات روتينية محدودة وغير ملزمة للعامة، تدعو المواطنين الى تجنب الازدحام في الأسواق والشوارع العامة، وتجنب ركوب المواصلات العامة التي ظلت تقوم بعملها الاعتيادي، ولم تقلل ساعات الدوام تجنبا لنقل العدوى، ولم تغلق حدودها البرية وتحظر الطيران كما فعلت غالبية دول العالم، لأعتقاد مسؤوليه ان سياسة كسب المناعة المجتمعية من خلال العدوي كفيلة بالقضاء على الوباء بالتحصين المجاني – ان جاز التعبير.

وقد لاقت هذه السياسة الصحية التي اتخذها هولندا والسويد انتقادات لاذعة خاصة وان الوباء قد أصاب أكثر من 50% من دور العجزة والمسنين ما يجعل هاتين الدولتين عرضة لانتقادات حادة من منظمات حقوق الإنسان، ومن منظمة الصحة العالمية.

بقى ان نشير ان ليست باستطاعة اي شخص التنبأ حالياً بما اذا كانت هذه السياسة الصحية ناجعة، او فاشلة، لأنه الى الان لم يحدد العلماء التنبأ مدى ما سيصل اليه الفيروس المرعب (كوفيد-19) من تطور جيني، من ناحية، ومن ناحية ثانية الخوف من انفجار وشيك لانتشاره في مجتمعات هولندا والسويد بحيث يصعب فيما بعد محاصرته والقضاء عليه.

فالي أين ستقود هولندا والسويد سياستهما الصحية “مناعة القطيع” في ظل ما تحمله الاحصائيات اليومية من انتشار لفيروس كورونا، وما يحصده من أرواح في كثير من دول العالم؟!