حميد طولست يكتب:
حتى لا نُختزل إلى اللاشيء ، في زمن كورونا
لم تعد تجربة الإنعزال الغريبة التي كادت أن تصيب البعض بالجنون ولم يكن معدا لها ولا مفكرا فيها، قاسية كما كانت في بدايات منع الناس مما جبلوا عليه من هجر للبيوت والجروج للشوارع والمقاهي والأسواق ومقابلة الأقارب والأصدقاء والجيران المعارف و وغيرهم الأغراب بهدف وبدونه ، وبدأت حدتها "التجربة" تخف وأثرها يفتر ، بعد أسبوعين فقط من البقاء في البيت طبيقا للحجر الصحي الذي فرضته جائحة كورونا ، وبدأ الكثيرون يستأنسون الإنفراد بذواتهم يستطيبون رفقة أنفسهم ، ويفضلون الوحدة التي أصبحت أمراً عادياً لا تثير مللا ولا قلقا ، ولا يترك فراغا ، وبدأت طاقة التأقلم مع رتابة ونمطية التباعد الاجتماعي والإغلاق والعزل تنعش أمل في نفوسهم وتطفئ قلقهم، وتمكنهم من التغلب على روتين اليومي المتسم باللامعنى وعدم الاعتيادية ، الذي لم يعشوا طوال أيام حياتهم العادية ، رتابته المؤثرة على المناعة النفسية والجسدية ، والتي قد يشعر الكثيرون بالقلق والحيرة كلما فكروا في يوم يُطلاق سراحهم بعد انقضاء الزمن "الكوروني" الذي غير أحوال ما عاشوه قبله من حقارات العادات ، ويتبدد ما جبلوا عيله من نفاق وانتهازية وازدواجية وكذب وإدعاء النزاهة والتقوى وقلب الحقائق ، ويأملوا أن تنجلي ظلمة وسواد ما قبل كورونا ، و تعود عوالم ما بعده إلى ما كانت تزهو به أمتنا في ماضيها البعيد من ألوان الجمال المنير الذي يبعث على الأمل والبشرى ، التي لا تقل عن البشرى التي يحملها الجنود الرحمة البيض بكل مكونات الخدمات الصحية وكوادرهم الطبية على اختلاف مسمياتهم وأدوارهم ووظائفهم، وعلى اختلاف مجالات عملهم الوقائية والعلاجية، الذين يـصرّون على إبقاء حذوة الأمل مشتعلة بما يبذلوه من تضحيات جسام لخدمة وإشفاء مرضاهم ، بمُحاصرة الوباء المتربص وحماية الأصحاء منه ، وغرس السكينة فيهم وإشاعة الأمل فيهم ، والذين لا يسعنا إلا أن نرفع لهم القبعات ، وننحني أمام عطاءاتهم السخية ، بكل قلوبنا المتعلقة بهم كطوق نجاة تلاشت عنده الأنا وتسامت لديه التضحية والوطنية النقية .