بليغ حمدي إسماعيل يكتب لـ(اليوم الثامن):

السيرة الذاتية لأمراء النساء

من الدهشة التي ستكتب في تاريخ الأمم المعاصرة ، أنه وسط الاهتمام غير المسبوق بعاصفة كورونا الجائحة ، وهذا الارتباك الذي أصاب اقتصاديات الدول رغم تباينها في الإنفاق والادخار أيضا ، لم تتخل التيارات الدينية المتطرفة الأكثر راديكالية عن مطامحها الوهمية الواهية والتي يديرها حفنة من مرتزقة الدين الذين لم ولن يفطنوا مظان التفسير والتحليل والتأويل لمقاصد الشريعة الإسلامية .

ففي مغبة الرهبة من الانتشار الخارق لفيروس كورونا المخلَّق والمصنع ببراءة اختراع منذ عام 2015 دون رصد محاولات حقيقية جادة للقضاء عليه سوى ارتداء الكمامات التي تسبب ضيق التنفس أو القفازات الجلدية التي تعيق الحركة أيضا نجد من يفكر في تقويض أمن الأوطان أعني وأقصد ما حدث بمصر مؤخرا على أيدي بعض الإرهابيين الذين لن تجدي معهم الحلول الثقافية بل بات الحل الأمني والعسكري هو الأفضل في مواجهة مثل هذه الحوادث ، لم يقتنع أمراء النساء وشيوخ الفتنة أن العالم كله يواجه محنة استثنائية، لكن هذه التنظيمات المتطرفة الإرهابية التي أخذت أكثر من فرصة حقيقية للمصالحة والدخول مجدداً في النسيج المصري الأصيل لكنها أبت ظناً بأنها أقدر على العودة كما كان تحت الأرض تعمل وتخطط وتدبر ولم تعي هذه لحظة كتابة السطور أن تاريخها صار منسياً وموصوفاً فقط بالجريمة والدموية والعمالة والتخوين .

ولربما عادت حادثة الأميرية بالقاهرة والتي راح ضيحتها المقدم البطل محمد فوزي الحوفي رجل الشرطة المصري لتعود ذاكرتنا للوراء لحوادث أخرى مماثلة ، فتفجيرات هنا وهناك ، وثمة ترويع مستدام للمواطنين في أثناء ذهابهم للعمل أو من خلال رحلة عودتهم إلى المنزل من أجل راحة مؤقتة ، وقلق يشاع في عربات المترو أو في حافلات الراكبين ، أو حتى خلال تنزه أسرة معدومة اقتصادية بمتاجر منطقة سكانية بسيطة ، والهدف من وراء ذلك معروف ويمكن التنبؤ أيضاً بنتائجه .

إن مصر اليوم ومنذ سنوات ما بعد انتفاضة الخامس والعشرين من يناير 2011 تدفع وتسدد فاتورة أعوام طويلة من تجريف العقول والأذهان والفكر نتيجة عوامل كثيرة بعضها لا يزال رهن الشهود الزمني وبعضها ذهب في غياهب السنوات المنسية ، ولا يمكن أن ننحي فصيل أو حكومة أو تنظيم أو حتى أفراد غير منتمين لمؤسسة حزبية عن المشاركة في عملية التجريف تلك ، لأنهم سكتوا عن الحق مرة ، واستمرأوا صمت المشاركة في بناء الوطن وتغييره إلى الأفضل ، واليوم الكل أصبح يمتطي جواد النهضة والتغيير وصار صاحب الحق الأوحد والأمجد في ارتداء قناع فانديتا وجه الثورة رغم أن الجميع لا يزال موصوماً بعار التخاذل والتباطؤ القصدي والعمدي .

ليست مصر في انتظار توصيف الإرهاب من جهة دولية لأنها بالفعل أدرى بشعابها وبخصال وصفات مواطنيها ، وليست أيضاً بحاجة لمداعبة الرأي العام والخاص وقنوات الإعلام من أجل مزيد من الإطراء على سماحتها ونبل مواقفها الإنسانية إزاء أهل الإرهاب الذين يعتقدون أن مصر وطن سهل المراس وأنه وطن يتشابه ، والحقيقة مفادها أن الدولة عليها أن تكون حازمة وبصورة أكثر شراسة وقوة بل وعنف أيضا بشأن من يسعى إلى تقويض الوطن وتفتيت أجهزنه الأمنية والعسكرية ، وعلى أولئك الأمراء المعروفين بشيوخ جماعات التطرف الذين أبتهج حينما أسمع أنهم مشايخ النساء والفتنة ، أولئك الذين يسعون في الأرض خراباً وفساداً أن يدركوا حقيقة تاريخية ضاربة في القدم وهي أن مصر بحق تجربة لن تتكرر لأنها النسخة الأولى والأصلية التي لا تعرف للتقليد سبيلاً ، وهي الوجه الذي لا يعرف التشابه لأنه وجه ثابت أصيل لا ولن تختفي ملامحه أبداً .

إن مشايخ وأمراء النساء وهذا تشبيه لا يفطنه سواهم لأنهم يدغدغون مشاعر النساء بأحاديث عن العفة والالتزام والفضيلة وهم بمنأى عن القول والفعل أيضا ، أولئك يؤمنون بنظرية تدعى سياسياً بالأرض المحروقة ، لأنهم باختصار شديد لم يتعلموا منذ الصغر ما الوطن وحرمة الأرض وأهميتها ، وربما جاء التوقيت مناسباً رغم اشتعال المشهد الداخل والعالمي غير المسبوق نتيجة الإجراءات الاحترازية والوقائية بسبب الفيروس الجائح كورونا ، وهو دفء الانتماء إلى هذه الأرض التي عليها أفضل من يعيش وهو الإنسان المصري الذي سيظل يواصل معركته ضد الظلاميين وأعداء الوطنية من شيوخ الإرهاب والتطرف وأمراء الفتنة واللاهثين وراء خرافات وادعاءات غير حقيقية .

وكم من مرة جاء التأكيد على أن الحلول الأمنية غير كافية للتعامل مع ظواهر الإرهاب والتطرف لأنها تعد مرحلة متأخرة تأتي بعد جهود مستدامة من العمل العقلي والثقافي ، وهذا يعود بنا إلى النقطة صفر وهي تأهيل وإعداد الطالب في أثناء دراسته ، لأن اليوم الطالب بمعزل مباشر عن الاتصال بمعلمه وبمكان الدراسة الطبيعي والمعتاد ، وصار فريسة سهلة القنص والصيد والانقياد أيضا لتيارات مشبوهة وخائنة للدين والوطن معا ، ولرجال الشرطة كل العذر في ملاحقة هؤلاء لأن مهامهم اليوم صارت متعددة وطويلة بين ملاحقة أمنية للخارجين عن القانون ، ولتنظيم أعمال السير اليومي وتطبيق قواعد الحظر مساء ، ومراقبة الأسواق ، لكن كل هذا لا يجعلهم في غفلة عن أيادٍ خبيثة لا تزال تخطط من الداخل والخارج كرها في هذا الوطن العزيز.