إبراهيم أبو عواد يكتب لـ(اليوم الثامن):
الصياد الحقيقي لا يصبح فريسة
1
يُحاول الإنسانُ اكتشافَ العناصر المُحيطة به ، لكن الأَوْلَى أن يكتشف نَفْسَه ، ويغوص في أعماق ذاته بحثًا عن أسرار حياته المعنوية والمادية . والإنسانُ الذي يَجهل نَفْسَه ، ولا يَعلَم نِقاطَ قُوَّته ولا نِقاط ضَعفه ، هو أعمى البصيرة ، ويَسْبَح في الاتجاه الخاطئ ظَنًّا مِنه أن يَقترب مِن بَر الأمان، وهو في الحقيقة يبتعد عنه ، ويُقامر بمصيره ، ويُخاطر بحياته . ومَن باعَ نَفْسَه مَجَّانًا ، وقادها إلى الهاوية السحيقة ، فلا ينبغي أن ينتظر طَوق النَّجاة ، ولا يَطمع في وجود مَن يمدُّ له يدَ المُساعدة . وكما أن القانون لا يَحمي المُغفَّلين ، كذلك البحر لا يَحمي مَن لا يَعرِفون السباحة .
2
يحرص الإنسانُ على اختراع مُبرِّرات لأخطائه، ويقضي وقتًا طويلًا في اختلاق الأعذار لمواقفه السلبية ، وهذا الوقتُ كان كافيًا لإصلاح الأخطاء ، وإعادة بناء ذات الإنسان المُتشظية في متاهة القرارات الخاطئة ، ولكن غُرور الإنسان وعِناده يَمنعانه مِن الاعتراف بأخطائه والإقرار بانحرافاته ، لأنَّه يَعتقد أن الاعتراف بالخطأ ضَعف ومَهانة ، وتَشويه لصورته اللامعة أمام الناس ، وبالتالي سيخسر اسمَه ومكانته الاجتماعية . وهذا الوهمُ القاتل يَدفعه إلى الغرق في أخطائه، والاستمرار في ارتكاب الحماقات والسلبيات، حتى يتلقَّى الضربة القاضية، ولا فائدة مِن الندم بَعد فَوات الأوان. ولو اقتنعَ الإنسانُ أن الاعتراف بالخطأ شجاعة ، والعَودة إلى الصواب فضيلة ، وأن أوَّل خُطوة لعلاج المريض هي اعترافه بالمرض وعدم المُكَابَرَة ، لَوَفَّرَ الوقتَ والجُهدَ ، وأعادَ القطار إلى السِّكة الصحيحة ، مِمَّا يؤدِّي بالضرورة إلى تعزيز قُوَّة الإنسان ، وزيادة مكاسبه على كافة الأصعدة.
3
إذا لم تكن قوةُ الإنسان ذاتية ، ومُنبعثة مِن أعماقه ، فيجب عليه أن يُحاول جاهدًا بناء قُوَّته الذاتية ، وتفعيل عناصر الاكتفاء الذاتي بكل الوسائل ، ولا يترك مصيره في أيدي الآخَرين ، لأنَّهم سَيَلعبون به حتمًا ، ولا تُوجد مساعدة مَجَّانية ، وكُل دَعم له ثمن يجب دَفعه . والعاقلُ لا يَرمي كُلَّ أوراقه في أوَّل اللعبة ، بَل عليه أن يَحتفظ بأوراق كثيرة مؤثِّرة ، ويُخبِّئها للأزمات والشدائد وحالات الطوارئ . وإن عدم الثقة أفضل مِن الثقة العَمياء ، وكُل ثِقة ينبغي أن تكون مدروسة بعناية ، ومحسوبة بِدِقَّة ، وموضوعة في سياقها الصحيح . وإذا لم يجد الإنسانُ صديقًا مُخْلِصًا نَجَحَ في اختبارات الثقة وتجارب الحياة ، فالأفضل أن يعيش بدون أصدقاء . كما ينبغي الاحتفاظ بمسافة مع الآخَرين ( مسافة الأمان ) ، لتجنُّب تأثير طعنة الغدر ، التي قد تظهر في الأحوال المُتغيِّرة ، تبعًا لتبدُّل القلوب والمشاعر. وقد سُمِّيَ القلبُ قَلْبًا مِن التقلُّب والتغيُّر . ولا بُد من فتح جميع النوافذ معَ كافَّة الأطراف ، والحفاظ على خَط الرَّجعة ، وعدم وَضع جميع البَيض في سَلَّة واحدة ، لأنَّ السَّلة إذا وقعت، ستكون الخسارة شاملة وعامَّة . وإن أخطر التَّحديات التي تُواجه مصير الإنسان وجَدوى وجوده يتمثَّل في تعاملُه معَ الحالات التي يكون فيها الخطأ الأول هو الخطأ الأخير . وهذه الحالاتُ في غاية الخطورة ، لأن هامش المُناورة فيها ضئيل ، والخطأ الأوَّل قاتل ، وسيُنهي كُلَّ شيء ، ولا تُوجد فرصة للتعويض وتدارُك ما فات ، ولا مجال لوجود مُحاولة أُخرى . والعاقلُ يبتعد عن هذه الحالات قَدْر الاستطاعة ، ولكن إذا فُرِضَتْ عليه ، واضْطُر إلى التعامل معها تحت ضغوطات مُعيَّنة ، فعندئذ ينبغي أن يكون في أعلى درجات التركيز ، فهو إمَّا أن يَربح كُلَّ شيء ، أو يَخسر كُلَّ شيء . ومَن أجبرته الظروفَ على التعامل مع الذئاب، فيجب ألا يَفترض حُسن النِّية ، وعليه أن يَحْمِيَ نَفْسَه بشتَّى الوسائل ، لكَيلا يُصبح الصيادُ فريسةً .