إميل أمين يكتب:
الحظر لـ«حزب الله» والرسالة لإيران
أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً. يبدو هذا هو حال أوروبا مع «حزب الله»، فبعد بريطانيا في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، ها هي ألمانيا بدورها تأخذ قراراً رسمياً بحظر كافة أنشطة الحزب، في خروج دراماتيكي عن سياسة برلين السابقة التي ارتكنت إلى موقف الاتحاد الأوروبي، والذي ميز ولا يزال بين الجناح السياسي والآخر العسكري لـ«حزب الله»، فسمح بنشاطات الأول، وحظر الثاني.
انكشفت حقيقة «حزب الله» مرة وإلى الأبد عند الألمان. وفي مبررات قرار الحظر: «كما أنه من غير الممكن التمييز بين أعضاء المنظمة السياسيين والدينيين، ليس من الممكن أيضاً تقسيم المنظمة إلى أجنحة اجتماعية وعسكرية وسياسية».
لم يأتِ القرار الألماني على حين غرة؛ بل هو نتاج مراجعات وتصويت وتقارير استخبارية، آخرها صدر نهاية العام الماضي ويقع في ثلاثمائة صفحة، وهو حصاد تعاون وثيق ولصيق بين وزارات الداخلية والخارجية والعدل في البلاد، عطفاً على تحريات ومعلومات الاستخبارات الألمانية، الخارجية والداخلية على حد سواء.
خلص القرار إلى أن «حزب الله» قد تجاوز كافة الخطوط التي يمكن السماح بها، إذ بات أعضاؤه يعتبرون ألمانيا ومدنها وقراها ملاذات آمنة لهم، ومسرحاً لوجستياً لعملياتهم القائمة والقادمة.
لم يغب عن ناظر الألمان يوماً أن «حزب الله» ليس إلا مقدمة لوجستية للجمهورية الإيرانية، الأمر الذي عززته اعترافات حسن نصر الله أكثر من مرة، بأن تمويل الحزب من الألف إلى الياء يأتي من طهران، وعليه ربما ينبغي أن نتساءل: هل كان الحظر لـ«حزب الله»، والرسالة موجهة إلى الملالي في طهران؟
تكشف لنا البيانات التي قامت هيئة حماية الدستور الألماني بجمعها، أن هناك شبكة من المساجد والجمعيات الثقافية والدينية الأهلية التي يقوم عليها أتباع «حزب الله» في الداخل الألماني، تمارس تكتيكاً مريعاً.
يسعى عملاء «حزب الله» إلى اختراق المجتمع الألماني، والحصول على الجنسية الألمانية من خلال الزواج الصوري غير الرسمي، سواء من ألمانيات، أو من عربيات مهاجرات أو لاجئات.
في الوقت عينه، تسعى قيادات خلايا «حزب الله» السرية في الداخل الألماني في طريق تجنيد عناصر نظيفة ألمانية، أو من جنسيات أخرى، ما يعني أن هناك نيات خبيثة مستقبلية، ومخططات لما هو أسوأ. وفكرة العناصر النظيفة تعني عدم معرفة أجهزة الاستخبارات الدولية بها، وقدرتها على المراوغة، وتنفيذ عمليات بقدرة عالية من المهارة.
عطفاً على ما تقدم، فإن «حزب الله» بات يعاني من أزمات مالية بعد المعارك التي شارك فيها السنوات الماضية في سوريا، ناهيك عن العقوبات المالية القاسية التي فرضت على إيران، وجميعها أضرت بالحزب أكبر الضرر، ولهذا فإن الأراضي الألمانية تعد صندوقاً مالياً للحزب يمارس عليه عمليات البيع الشراء، وغسل الأموال، وتسهيل صفقات السلاح، وتمرير السيارات المسروقة.
السؤال الجوهري في هذا الإطار: ما الذي عجَّل بقرار الألمان؟ وهل للأمر علاقة بالأزمة المحتدمة مؤخراً مع إيران؟
الجواب المؤكد أن هناك رصداً لمعلومات مزعجة تحصلت عليها أجهزة استخبارات أوروبية وأميركية، تفيد بتكثيف «حزب الله» وجماعته الألمانية تحديداً، أنشطتهم لتجنيد عناصر ألمانية من السكان المحليين، عبر غسل عقول، تجري به كوادر الحزب المدربة على استقطاب المؤهلين للتطرف، وكذا الجناة العتاة، عبر شبكة الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، والقنوات المختلفة، والجامعات، وبنوع خاص الطلاب. ما الهدف من ذلك كله؟
حكماً الاستعداد للمواجهة القادمة بين طهران والغرب، وبنوع خاص في ظل تصادم الإرادات بين طهران وواشنطن مؤخراً، والتعليمات التي أصدرها الرئيس دونالد ترمب بإغراق أي قطع بحرية إيرانية تقترب من الأسطول الأميركي في مياه الخليج العربي بنوع خاص.
يعرف القاصي والداني أن ألمانيا لعبت ولا تزال دوراً تقدمياً جداً في الداخل الأوروبي، لاستنقاذ إيران من العقوبات المالية المفروضة عليها، وبالشراكة مع فرنسا كان السعي المتواصل لإيجاد طرق توفر تعاملات مالية مريحة للإيرانيين.
غير أنه من الواضح جداً أن الأوروبيين، لا سيما بعد إطلاق الإيرانيين قمراً صناعياً عسكرياً إلى الفضاء، قد أدركوا جلياً أبعاد التلاعب الإيراني بالبرنامج الصاروخي المعارض لقرار مجلس الأمن 2231 لسنة 2015، وأنهم بالتالي وعما قريب جداً سيكونون تحت رحمة صواريخ الملالي الباليستية. ومن هنا بدت الغضبة الأوروبية واضحة، وتقليم أظافر الإيرانيين عبر «حزب الله» أولاً في الداخل كفرض وليس نافلة.
لم يغب عن أعين أجهزة الاستخبارات الألمانية الدور الفاعل والناجز لـ«الحرس الثوري» الإيراني في تدريب جماعات «حزب الله»، وتهذيبها وبلورة حضورها العسكري والأمني حول العالم. وليس سراً أن أجهزة الألمان المعلوماتية تفوق نظيرتها الأميركية والأوروبية في الشرق الأوسط والخليج العربي، وهذه قصة أخرى.
أدرك الألمان أن معركة العالم مع إيران ربما تكون على الأبواب، وهنا فإن وجود طابور خامس على أراضيهم داعم لطهران وقياداتها أمر سيلحق أكبر الضرر بالأمن القومي للبلاد. ولديهم من اعترافات نصر الله المباشرة ما يفيد بذلك جملة وتفصيلاً، إذ أجاب الرجل على تساؤل عما سيفعل هو ورجاله حال القارعة، بالقول: «إذا اشتعلت الحرب، فهل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس».
حظر «حزب الله» بداية مؤكدة لتوافق أوروبي أميركي في مواجهة إيران، ودعوة مباشرة لبقية دول الاتحاد الأوروبي لوضع كل تصنيفات «حزب الله» في بوتقة واحدة، وانعكاس لعزم العالم الغربي على التصدي للتهديد الأممي الذي يمثله الحزب في الحال والاستقبال... هل وصلت الرسالة إلى طهران؟
الشرق الأوسط