إميل أمين يكتب:
العالم ومخاوف الاقتصاد الأميركي
هل يتوجب على العالم أن يقلق من جراء ما يتعرض له الاقتصاد الأميركي في الفترة الأخيرة، وكذا من جراء التبعات المستقبلية التي ستفرضها عليه أزمة انتشار فيروس كورونا في طورها الأول، هذا إنْ لم تضرب عاصفة ثانية من الفيروس الشائه اقتصاد البلاد؟ ووراء ذلك حقيقة واحدة وهي أن الاقتصاد الأميركي لا يزال حتى الساعة القاطرة التي تقود الاقتصاد العالمي، ولهذا إذا عم البرد الولايات المتحدة، أصيبت بقاع وأصقاع العالم بالزكام. البيانات الواردة من الداخل الأميركي مقلقة بشكل غير مسبوق، فعلى ذمة تقديرات بنك أطلانطا الاحتياطي الفيدرالي، سينخفض الناتج المحلي الإجمالي الأميركي في الربع الثاني من العام الحالي بنسبة واحد وأربعين وتسعة من عشرة في المائة، الأمر الذي يعني أن الآلاف من الشركات المتوسطة والصغيرة ستتحطم على صخرة كوفيد – 19.
في أواخر أبريل الماضي بلغت نسبة البطالة في الداخل الأميركي نحو خمسة عشر بالمائة، وينتظر أن تبلغ عشرين بالمائة عند حدود نوفمبر، أي وقت الانتخابات الرئاسية الأميركية، ليجد نحو أربعين مليون أميركي أنفسهم في العراء الاقتصادي والاجتماعي، ومن غير سقف حماية، الأمر الذي سيتجاوز أزمة عقارات 2008، ويعيد التذكير بزمن الكساد الكبير أوائل الثلاثينات من العام الماضي.
الأرقام الأميركية لا تكذب ولا تتجمل، وجلها يقود إلى دق أجراس التنبيه والتحذير، فوفقاً للتوقعات الاقتصادية يقترب رقم عجز الموازنة الأميركية من أربعة تريليونات دولار، هذا إذا لم تضطر البلاد لفرض مرحلة ثانية من الحجر الصحي، أما إذا فعلت فالرقم مرشح للتصاعد بشكل مزعج.
تبدو الولايات المتحدة في طور طباعة المزيد من أوراق الدولار، وبكميات كبيرة لكن من غير غطاء، الأمر الذي يجعلها قريبة من مراحل تضخم غير مسبوقة، وقد تجد نفسها في مقاربة مع دول ارتكبت نفس الخطأ سابقا مثل الأرجنتين وفنزويلا وزيمبابوي.
على أن قائل يرى أن إدارة الرئيس ترامب قد ضخت وبموافقة الكونجرس تريليونات عدة من الدولارات لضمان دوران عجلة الاقتصاد الأميركي بأسرع ما يمكن، وتقليص وقت الأزمة وخسائرها، أفلا يكفي ذلك لعدم وقوع الاقتصاد الأميركي برمته في براثن أزمة طاحنة قد تجر العالم بأكمله في طريق المأساة الاقتصادية التي لا يرغبها أحد؟
ما قامت به إدارة ترامب ليس سوى مسكن للألم وتأجيل المواجهة، لا سيما أن «اقتصاد كورونا» عمّق من الفجوة المالية بين الأغنياء والفقراء في الداخل الأميركي، فقد ازداد الأثرياء ثراءً، لا سيما أولئك المتحكمين في العالم الرقمي مثل مارك زوكربيرغ وجيف بيزوس، ما يعني أن الرأسمالية الأميركية أضحت في خطر. حين نضيف لما تقدم تحذيرات وزير الخزانة الأميركي السابق «هنري بولسون»، من مخاطر آنية ومستقبلية محدقة بالدولار، ساعتها لا ينبغي على الأميركيين فقط الخوف، بل كذلك بقية أرجاء العالم التي تعتمد الدولار عملة رئيسة في تعاملاتها الخارجية.
الأزمة الأميركية الاقتصادية قد تكون فرصة للاقتصادات الإقليمية، ومنها العربية لبلورة خطط وبرامج تعرف كيف تحول المحنة إلى منحة، والأزمة إلى فرصة، الابتكار هو الحل والمبادرة هي الطريق للخروج من دروب أزمات الآخرين.
الاتحاد