فهد سليمان الشقيران يكتب:
«إخوان» الخليج... قصة الزحف إلى ليبيا
لم يمض أكثر من عامين على انضواء تنظيم «الجماعة الليبية المقاتلة» في تنظيم «القاعدة»، ليتفسخ ذلك الحلف الضعيف سريعاً عام 2009، ولتعلن الحركة عن مراجعات تصحيحية مشهورة هي ثمرة حوار بين المقاتلين والحكومة، والوسيط تنظيم «الإخوان المسلمين».
الجماعة التي تأسست على خبرة القتال في أفغانستان ضد السوفيات رجعت إلى ليبيا بعقيدة قتالية متطورة، حتى أعلنت عام 1990 عن هدفها الأساسي بجملة واحدة: القتال حتى إسقاط النظام. لم تحظ الحركة بنفوذ كبير أو حيثية داخلية كمثيلاتها بالجوار، مما سهّل على النظام شل حركتها، وكسر ظهرها في وقتٍ مبكر. وبقيت أنشطتها مقتصرة على تهديدات متقطعة لا قيمة جوهرية وميدانية كبيرة لها.
سيف الإسلام القذافي الطموح والموعود بآمال عريضة بالسلطة، وجد في المصالحة المشروطة بالتصحيح مع الجماعة المدخل السياسي المفيد بالنسبة إليه.
لم يكن والده معمر القذافي على وفاقٍ مع الإسلاميين، كتابه الأخضر، وشطحاته الفجة حول المفاهيم الصحيحة للدين، وغرائبه في الابتداع الفقهي، جعلته مرمى لسهام الإسلاميين منذ وصوله إلى الحكم، وعززت من بغضه لدى جماهير عريضة رسالة المفتي السابق الشيخ عبد العزيز بن باز.
كان لعلاقة حمد بن خليفة ومعمر القذافي الاستثنائية أكبر الأثر في تحوّل موقف القذافي من الإسلاميين، وموقفهم منه. أذن القذافي بفتح الأبواب للمشاريع «الإخوانية» والصحوية، ورعى برامج وخططاً، وذاب الجليد.
أساطيل من الطائرات نقلت «الإخوان» إلى ليبيا، بدءاً من المرشد الروحي لهم يوسف القرضاوي، وصولاً إلى الصحويين السعوديين، والدعاة الجدد، ونجوم التهريج الفضائي باسم الفتيا والدعوة والإسلام.
كان للدور «الإخواني» أثره في إنجاح مهمة النظام الليبي مع «الجماعة المقاتلة». شكلت لجنة تضم بضعة أسماء «إخوانية»، أشرفت على ترتيب كتابة المراجعات التي دونت تحت عنوان: «دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس» تضمنت إعادة ترتيب الأولويات، وتعديل طرق التكفير، وتبويب موضوع القتال. إنها عملية تهجين لجماعة العنف غير المبرمج بآيديولوجيا «الإخوان»، وجل نماذج المراجعات والمناصحات بالعالم الإسلامي تقوم على تحويل الإرهابي المندفع إلى إرهابي «إخواني» براغماتي، هذا بالضبط ما حدث في ليبيا وغيرها.
لم يكن اللوذ بـ«الإخوان» من قبل سيف الإسلام صدفة. من يلاحظ تسجيلات والده مع زائريه يلحظ تعويله على الإسلاميين في مشروعه الفوضوي، وحثه على ضرب الوحدة الوطنية عبر نبش فتاوى التكفير بين السنة والشيعة.
لم تطل لحظات الاغتباط والتباهي لدى زوار خيمة القذافي. فضحت التسجيلات تخابر رموز «الصحوة» و«الإخوان» على دولهم، وأحدث تلك التسجيلات ما جمع القذافي بالكويتي حاكم المطيري، والمعروف بانتمائه إلى تنظيم «الإخوان المسلمين».
المطيري لم ينكر التسجيل، بل أقر بصحته في بيان مفصل. ما نفاه فقط طريقة التوظيف، وذكر أن الزيارة عام 2008 أثناء فتح النظام أبواب الحوار والمصالحة مع الإسلاميين.
الفكرة القذافية تقوم على تأسيس خلايا وفرق موت، تستهدف قلب أنظمة الحكم بدول الخليج، لتخلق الفوضى، حسب تفكيره، واقعاً آخر، يمكّن لزرع الفتنة بين السنة والشيعة ونبش إرث التكفير، أن يسرعا من وتيرة الانهيار.
حتى نفهم من هو حاكم المطيري يحسن الرجوع إلى عمدة كتاباته الحركية «الحرية أو الطوفان». به ينتمي بشكل نظري كامل إلى «الإخوان»، بخاصة لتعاليم سيد قطب وبشكل حرفي. رغم دراسة المطيري في السعودية، فإن إلحاقه ضمن التيار السلفي خطأ محض، إذ أنه ينتقد دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، بشكل واضح. وموقف المطيري من الحكومات مخطوط ومثبت باعتبارها «مطية استعمارية»، وأن «الثورة عليها واجبة، وبكل وسيلة ممكنة، سواء بالعمل السياسي السلمي، أو بالعمل الثوري، إذ بقاؤها بقاء للاستعمار، ولا سبيل إلى زواله إلا زوالها» (ص: 320).
يبدو أن قصص هجرة الإسلاميين إلى ليبيا طويلة، والتآمر الفاضح والتخطيط للعنف وتشكيل فرق الموت لم يكن مفاجئاً للعارفين. إنهم حلقة في سلسلة تطول. نموذجهم الأعلى «تنظيم 65» وزعيمه سيد قطب الذي اعترف بتخطيطه لتفجير القناطر الخيرية، بل ربط نجاح العملية ببدء «الثورة الإسلامية».