صلاح السقلدي يكتب:
الشراكة المؤقتة مقابل الشرعية
الحرب العسكرية -أية حرب- هي صورة وشكل مِــن صوَرِ وأشكال السياسة، وإن أردتَ القول فقُــلْ إن السياسة هي صورةٌ وشكلٌ من صوَرِ وأشكال الحرب العسكرية، مع فارق استحسان الأولى واستقباح الثانية بمعظم حالاتها عبر التاريخ.
فالحرب الدائرة باليمن منذ قرابة ستة أعوام لم يُــفلح أطرافها المحليين والإقليميين بتحقيق كل ما أرادوه عبرها، ومنهم الطرف الجنوبي الذي وجَـــدَ نفسه عام 2015م بل منذ عام2011م وجها لوجه مع خضة تغيرات عاصفة (منها ثورات الربيع العربي وما تلاها من خضات ارتدادية بالداخل والخارج) فاجأته وخلطت أوراقه وعدّلت من أساليب نضاله كما فعلت مع كل الداخل اليمني والمنطقة العربية برمتها . كانت هذه الحرب(2015م) من أبرز إفرازات وتداعيات تلك التطورات العربية الصادمة للجنوبيين, فهذه الحرب التي وجدَ بها الجنوب فرصته المرجوة التي أهدتها له السماء ذات ربيع، لينفض بها غبار عسف وضيم وإقصاء عمره ربع قرن من الزمن, وكان له ما أراد إلى حدٍ ما, ولكنه، أي الجنوب، ربما بالغ في التمني أن الحرب العسكرية وحدها كفيلة أن تحقق له هدفه المنشود(استعادة دولته) دفعة واحدة من فوهة البندقية وبرج الدبابة، فهذه الحرب ككل الحروب ليست سوى مرحلةٌ وشوطٌ تتبعها مراحل وأشواط شائكة الدروب لبلوغ الهدف.
فالانتصار العسكري - كالانتصار الذي حققه الجنوبيون بهذه الحرب - مهما بلغ شأنه وأهميته إن لم يُـترجم إلى مشروع سياسي مدني، فهو ليس أكثر من دماء سالتْ وأرواحٌ أزهقتْ ومبانٍ دُمــرِتْ دون طائل، ولن يتأتى هذا الوصول إلّا من خلال حوار صادق خالٍ من كولسترول الخداع ودهون المكائد، فالحوار أي حوار هو وسيلة سياسية ناجعة، فضلاً عن كونه قيمة أخلاقية راقية، وأداة حضارية ناجعة يمكن بواسطته تحقيق واستكمال ما عجزت عن تحقيقه واستكماله البندقية والثورة الشعبية إن أسترشد أصحابه بالعقل وتسلحوا بالحكمة.
وعطفاً على ما تقدم، إن الحوار السياسي (الذي يخوضه المحاورون الجنوبيون في المجلس الانتقالي الجنوبي بالرياض) الذي هو، أي الحوار، في حقيقة الأمر ضرباً من ضروب الحروب، وإن كان يتم دون دماء، ولا ينفصل عن الهدف الرئيس للمعركة العسكرية التي خاض الجنوب غمارها، وما يزال منذ ستة أعوام.
وحري بِنا هنا أن نشدُّ مِن عضد هؤلاء المحاورين، فهم لا يمثلون ولا ينتصرون فقط للمجلس الانتقالي، بل القضية الجنوبية كلها في وقت بات فيه الجنوب بمسيس الحاجة حيال المجتمع الدولي أن ينتزع الصفة السياسية الرسمية له وللقضية برمتها، ويخرجها من شرنقة المحلية ومن بين مخالب مفردات الملشنة والجهوية التي يخلعها عليه خصومه ظلما وزوراً إلى فضاءات الساحة الشرعية الدولية ويتسلح بالصفة السياسية؛ ليواصل المرحلة القادمة صوب الهدف المنتظر.
صحيح أن اتفاق الرياض لا يُــلبي تطلعات الشعب الجنوبي, وصحيح أيضا أن مشاركته الوزارة بحكومة اليمن(الدولة المحتلة) المنتظر تشكيلها قد يثير لغطاً حول القضية والانتقالي ويضفي تشويشا على الهدف الأسمى للجنوب، ولكن هذه الشراكة ليست أكثر من شراكة مؤقتة آنية فرضتها الضرورة ومقتضيات السياسة ودهليزها، و لا تسقط الهدف الرئيس للمجلس وللجنوب، بل هي شراكة حكومية يغلب عليها الطابع الخدمي والأمني في الجنوب، لزاما علينا التفريق بين شراكة مؤقتة تندرج ضمن تكتيكات السياسة قصيرة الأجل التي تفرضها المراحل وبين استراتيجيات تحفظ الهدف الكبير وتحققه، في مرحلة تعتبر انتقالية استثنائية معقدة كالتي نمر بها، في ذات الوقت الذي سيتمكن الجنوب بواسطة المجلس ومن بعده القضية الجنوبية أن يكسبا مقابل ذلك الفوز بالصفة الشرعية السياسية الدولية والإقليمية المعترف بها، وتمكن الدبلوماسية الدولية التواصل معه دون غضاضة أو قيود دبلوماسية, وستنسف هذه المشاركة وهذا الاتفاق، أعني اتفاق الرياض، وهذا الاعتراف الدُّوَليّ المنتظر سينسف كل المشاريع السياسية التآمرية القديمة التي حاولت قُوَى غزو 94م فرضها بقوة الحديد والنار، ومنها مشروع مخرجات حوار صنعاء البائس عام 2013م و2014م الذي تم استبعاد الجنوب منه برغم مشاركته المحدودة بمؤتمر شعب الجنوب بقيادة المناضل محمد علي أحمد، وستفرض الجنوب على طاولة التسوية السياسية الشاملة كشريك رئيس وطرف أصيل يصعب تجاهله بعد أن أصبحت له أنياب ومخالب, واستطاعت بندقية مقاومته أن ترسم تضاريس خارطة سياسية جديدة تغير المعادلة على الأرض، وسيتلوها بإذن الله تغير كفتيها على الطاولة السياسية إن برع الجنوب فيها كما برع في جبهات القتال.