د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
القوة الحقيقية للتغيير تكمن في قلب إيران؛ شعبٌ صامد ويقاوم من أجل الحرية
بعد أكثر من أربعة عقود من السياسات الخاطئة والانقسامات، وبعد سنوات من المراوغات الغربية والمراهنات على الحرب التي لم تؤد إلا إلى تعميق معاناة الشعب الإيراني، بات اليوم واضحًا أن التغيير الحقيقي لا يأتي من خلال تدخلات خارجية، بل ينبثق من داخل قلب إيران ذاته، من الشعب النابض بالحياة والمقاومة.
شهدنا خلال الأعوام الماضية موجات احتجاجات شعبية واسعة غير مسبوقة، بدأت عام 2017 وتتصاعد بوتيرة متسارعة، تعكس رفضًا جماهيريًا صارمًا للنظام القائم. فما يجري ليس مجرد مظاهرات عابرة، بل هو حراك اجتماعي راسخ الجذور يقوده شباب ونساء صارمون في إرادتهم على كسر حاجز الظلم والقهر، في مواجهة نظام ديكتاتوري يرى نفسه فوق الجميع، وينفق مليارات الدولارات من ثروات البلاد على بناء قواعد صاروخية وبرامج تخصيب اليورانيوم وتشجيع الإرهاب، بدلاً من تقديم أبسط الخدمات لشعبه.
إن الهتافات التي تعلو في شوارع المدن، ومنها شعار “الموت للدكتاتور”، ليست صرخة غضب فقط، بل هي إعلان واضح وصريح من الشعب الإيراني بأنه لم يعد يرضى أن يعيش في ظل نظام ينهب ثرواته ويحكمه الظلام السياسي والفساد الإداري. إنهم يطالبون اليوم بحقهم الطبيعي في تقرير مصيرهم، وببناء دولة ديمقراطية تُساوي بين الجميع دون تمييز أو استبداد.
وفي هذا السياق الوطني الحر، يبرز دور حركة المقاومة المنظمة وعلى رأسها منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، التي تمتلك الخبرة السياسية والتنظيمية التي تمكنها من قيادة هذا الحراك الشعبي نحو تغيير حقيقي وجذري. فهذه المنظمة تقدم بديلاً حضارياً وسياسياً قائمًا على مبادئ فصل الدين عن الدولة، وتحقيق المساواة بين المرأة والرجل، وضمان حقوق الأقليات، ورفض عقوبة الإعدام، وإرساء آليات الديمقراطية اللامركزية التي تعطي دورًا حقيقيًا للشعب في إدارة شؤون بلاده.
إن مشروع المقاومة السياسي، المتمثل في “خطة النقاط العشر” التي أقرها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، يحظى باعتراف واسع النطاق من آلاف البرلمانيين والشخصيات العالمية، ويرسم رؤية واضحة لمستقبل إيران التي يحلم بها كل إيراني حر.
ولا تطلب المقاومة سلاحاً ولا مالاً يضيف إلى نضالها، بل تطالب فقط بالاعتراف بحق شعبنا في المقاومة، وحقه في انتزاع الحرية والعدالة التي يستحقها. هي بكل بساطة تعبّر عن نبض لا يقهر لروح إيران الحرة التي صمدت وواجهت طوال عقود من الزمن ما لا يطاق من قمع وفساد.
نحن اليوم واقفون عند مفترق طرق حاسم؛ إما استمرار سياسات المراوغة والمصالح العابرة التي تعميق الأزمة وتزيد الشعب معاناة، أو خيار دعم الانتفاضة السلمية التي يقودها الشعب الإيراني وينتظرها العالم ليكون بداية عهد جديد لإيران حرة ومستقلة.
إن القوة الحقيقية للتغيير موجودة في الشوارع، في قلوب المواطنين الذين يرفضون الخنوع، في شبابٍ ونساء رفعوا صوتهم من أجل الحرية والمساواة والكرامة. إنهم يشكلون الأمل والضوء في مستقبل إيران، ومستقبل المنطقة كاملة.
في النهاية، لا بد من معرفة حقيقة أن التحولات الكبرى لا تأتي من الخارج، ولا من اتفاقيات جانبية، بل تبدأ من الداخل حيث ينبض الشعب وكل أمل التغيير بين أيديهم. والمقاومة المنظمة هي الركيزة التي يمكنها توجيه هذا الحراك الشعبي وضمان انتقال سلمي مستقر نحو مستقبل أفضل يليق بتاريخ وحضارة إيران.
د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي