فريد ماهوتشي يكتب لـ(اليوم الثامن):
النظام الإيراني يواجه اختراقات أمنية داخلية وسط محاولات تعزيز السيطرة
في أعقاب حرب الـ12 يومًا، التي اعتُبرت واحدة من أعنف التصعيدات الإقليمية في السنوات الأخيرة، يمر النظام الإيراني بتحول عميق لا يعكس التعافي، بل التفكك الداخلي، والتشدد الأيديولوجي، وتكثيف السيطرة الاستبدادية.
الحرب كانتصار استراتيجي
أثار رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، صدمة حتى بين أوساط النظام عندما أعلن أن الحرب "دفعت الثورة الإسلامية إلى الأمام 50 عامًا". وفي كلمته أمام الجمعية، زعم أن "هذه الأيام الـ12 حققت فهمًا لم نكن لنصل إليه بدون الحرب". وصور قاليباف الحرب كمحفز استراتيجي لـ"الثورة"، مؤكدًا أن المقاومة—وليس الدبلوماسية—هي السبيل الوحيد للحفاظ على سيادة إيران و"كرامتها". الرسالة واضحة: النظام يرى الصراع المسلح آلية للبقاء وليس انتكاسة.
تحذيرات من اختراقات استخباراتية
وراء هذا الخطاب المنتصر تكمن حقيقة مقلقة. فقد أطلق النائب محمد منان رئيسي تحذيرًا علنيًا نادرًا من فشل أمني خطير داخل الحرس الثوري الإسلامي وجهاز الاستخبارات. وفي نقد لاذع، طالب بإجابات حول كيفية تمكن جهات أجنبية من الوصول إلى:
- توقيت ومكان اجتماعات مجلس الأمن القومي الإيراني،
- تحركات وأماكن اجتماعات كبار القادة مثل حسين سلامي وأمير علي حاجي زاده،
- معلومات سرية أخرى تتعلق باللوجستيات العسكرية.
وقال رئيسي: "إذا كان العدو متقدمًا خطوة، فهذا يعني أننا متأخرون خطوة". هذه التصريحات تكشف عن ثغرات عميقة في البنية الاستخباراتية للنظام، تشير إلى اختراق محتمل، أو تخريب داخلي، أو فشل تكنولوجي، مما يعكس أزمة ثقة داخل جهاز الأمن الصلب.
توسيع المراقبة والسيطرة الداخلية
بالتوازي مع الخطاب الخارجي، يعمل النظام على ترسيخ حالة أمنية دائمة داخليًا، مستغلاً ما بعد الحرب كذريعة. دعا نائب رئيس البرلمان، علي نيكزاد، إلى بقاء شبكة نقاط التفتيش العسكرية في المناطق الحضرية—التي نُشرت خلال الصراع—بشكل دائم. وصور نيكزاد هذه النقاط كرادع نفسي ومادي، مدعيًا أنها قللت من الجرائم البسيطة ومنعت "النشاط المنظم". وأكد أن وجود قوات الباسيج والحرس الثوري في الأحياء يجب أن يصبح جزءًا دائمًا من استراتيجية الأمن الداخلي، مما يعكس توجهًا لعسكرة الحياة اليومية تحت ستار "حماية الأحياء"، ويعزز المراقبة الجماعية والشرطة العسكرية حتى في أوقات السلم.
انقسام حول الدبلوماسية وتهديد العقوبات
وسط تهديد تفعيل آلية "العودة السريعة" للعقوبات الأممية، يظهر انقسام بين أوساط النظام. دعا النائب السابق محمد رضا بورإبراهيمي إلى الحذر، مؤكدًا أن إيران يجب ألا تتجه نحو المواجهة لتجنب العواقب الوخيمة، قائلاً: "يجب ألا نقبل العودة السريعة. الشعب عانى من الحرب والتخريب، وعلينا التصرف بوسائل قانونية وسياسية ورادعة". هذا يتناقض مع إعلان البرلمان الرسمي، الذي دعا إلى وقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفرض شروط مسبقة لأي مفاوضات مع الغرب.
في سياق آخر، أعلن البرلمان أن "الموت لأمريكا يعني الموت لترامب ولمن يديرون أمريكا، وليس للشعب الأمريكي"، مشيرًا إلى انتهاكات السيادة الإيرانية والهجمات على بنيتها النووية، مؤكدًا أن أي مفاوضات مستقبلية يجب أن تسبقها ضمانات ملموسة، مما يغلق فعليًا باب الدبلوماسية في المدى القريب.
دور المقاومة كبديل ديمقراطي
تشير جميع المؤشرات الداخلية والدولية إلى ضرورة وجود بديل سياسي ملموس للنظام الديني. النظام نفسه يدرك هذا المسار جيدًا، ولهذا يركز جهاز الدعاية الحكومي، بالتنسيق مع وزارة الاستخبارات، على حملات تضليل مكثفة لتشويه سمعة منظمة مجاهدي خلق، التي تُعد القوة المنظمة الوحيدة القادرة على تقديم بديل حقيقي للنظام الحالي. في المقابل، يكتسب "الخيار الثالث" الذي يطرحه المجلس الوطني للمقاومة—الذي يرفض الحرب والاسترضاء معًا—زخمًا كبيرًا كالمسار الوطني والمستقل الأكثر جدوى. هذا الخيار يقوم على رفض نظام ولاية الفقيه ويقدم رؤية لجمهورية ديمقراطية علمانية، تستند إلى مبادئ المساواة وحقوق الإنسان، وهو الوحيد القادر على إحلال السلام في المنطقة والتعامل مع جيران إيران بأسلوب سلمي وأخوي.
نظام في حالة هجوم دفاعي
الرواية السياسية التي تظهر من طهران واضحة: النصر عبر المقاومة، عدم التراجع عن الأيديولوجيا، والأمن الداخلي فوق كل شيء. لكن الاعترافات المتزامنة بالفشل الاستخباراتي، وتكثيف القمع الداخلي، والتخبط في السياسة الخارجية تشير إلى نظام في حالة هجوم دفاعي. بدلاً من السعي إلى التهدئة، يضاعف النظام من تشدده الأيديولوجي، ويقمع شعبه بقسوة أكبر، ويغطي تصدعاته الداخلية بروايات الحرب. ما إذا كانت هذه الاستراتيجية ستصمد وسط الاضطرابات الاجتماعية المتزايدة، والتدهور الاقتصادي، والعزلة الدولية، يبقى سؤالاً مفتوحًا.