نورا المطيري تكتب:
إتفاق الرياض والسابع من يوليو
ما زال إتفاق الرياض، والتحديات والعقبات التي تواجه تنفيذه، مسألة غير مفهومة للكثيرين في العالم، حتى على المستوى الدولي الرفيع، في الحكومات العالمية أو الإقليمية، وينظر البعض، إلى مصطلح إتفاق الرياض، وكأنه نزهة على الرمال الساخنة..!
لن نسرد قصة اليمن خلال المئة عام الأخيرة، والصراع الدامي فيها، أو بين شطريها، ولن نعود لنكرر خطورة التمرد الحوثي المدعوم من إيران، الذي استغل ثورات الربيع العربي المشؤوم، فاحتل عاصمة اليمن صنعاء ووجد من المتآمرين، من الجماعات الإرهابية، كالقاعدة وداعش وحزب الله والإخوان، من يسهلون له الطريق، ويفتحون له البوابات، بل نوجه الأنظار، إلى ما جرى منذ العام 1990، حين أُعلنت الوحدة الفاشلة، التي سقطت عرفيا، في السابع من يوليو 1994، بإجتياح القوات الشمالية لمناطق الجنوب.
يحاول إتفاق الرياض، بشتى الوسائل وبزخم منقطع النظير من التحالف العربي بقيادة السعودية، جرّ عقارب الساعة، دقيقة دقيقة، من السابع من يوليو رجوعا إلى 23 مايو 1990، وليس 22 مايو، أي إلى اليوم الأول بعد الوحدة بين الشمال والجنوب، وخلال هذه العملية القيصرية المعقدة، يواجه التحالف العربي، ذات التعنت، من ذات الأشخاص والجهات، بإستثناء بعض القيادات التي غادرت مثل علي عبدالله صالح، الذين يضعون العصي في دواليب إتفاق الرياض، الذي نص على توحيد جهود الشمال والجنوب لإقتلاع الحوثية المتمردة في صنعاء، وتشكيل حكومة كفاءات مناصفة، والبدء في مسيرة التنمية الشاملة، للإقليمين الشمالي والجنوبي.
يستغرب العالم، الصعوبة البالغة في تشكيل حكومة الكفاءات المناصفة بين الشمال والجنوب، يراها البعض، مسألة سهلة للغاية، ولا تحتاج هذا التعقيد، ولكن المطلع والخبير، الذي يرى التعنت الإخواني الشديد، ويرى استمرار الحرب والتصعيد على الجبهات، وسقوط القتلى والجرحى، وكذلك ظهور الخوارج من الحكومة اليمنية، كالميسري والجبواني وجباري وبن عديو وغيرهم، الذين انقلبوا مرة أخرى على حكومتهم الشرعية، ويحاولون تكوين جبهة رابعة؛ يعلم علم اليقين، أن المضي في تنفيذ إتفاق الرياض، لا يقل شأناً عن إنتهاء الحرب العالمية الأولى أو الثانية، ليس بالحجم قطعا، ولكن بمدى التعقيدات التي تتوالد كل يوم.
يظن البعض، أن المفاوضات الشرسة بين الشمال والجنوب، على خطوات تنفيذ إتفاق الرياض، وتشكيل الحكومة هي نوع من المساومات على حقوق الطرفين، سواء حق عودة دولة الجنوب العربي، أو التنازل عن الوحدة، من وجهة نظر الوحدويين، أو التفريط بالغنائم والمكتسبات التي حققها الفاسدون، وقد يكون هذا الظن (الخاطىء)، هو المفصل الأول الذي يمنع تحقيق تنفيذ الخطوة الأهم في إتفاق الرياض، وهو الذي يعيد تلك العربة، كلما تقدمت، إلى المربع الأول..!
تنفيذ إتفاق الرياض، لا يمس الحقوق، ولكنه يتحدث عن الواجبات والمسؤوليات الملقاة على عاتق جميع الأطراف، كما كانت منذ 23 مايو 1990 إلى السابع من يوليو 1994، فقط، أي أن إتفاق الرياض برمته هو مرحلة وليس وجهة، جولة وليس معركة، هدفها الوحيد فقط، أن يقف الطرفين، الشمال والجنوب، للتقدم خطوة واحدة بإتجاه صنعاء.
يرى محللون، أن تأخير حسم هذا الجولة الطويلة، بإرادة الطرفين المنهكين، قد يُنتج صراعا أكثر حدة، بسبب زيادة المنشقين، الذين يشكلون جماعات صغيرة بدعم وتوجيه معلن من قطر وتركيا، وقد يُنتج أيضا، وكما يتمنى كثيرون، كالحوثية والإخوان وغيرهم، إعلان إنتهاء وموت إتفاق الرياض، إلى الأبد، والذي سيجعل العالم، وبسبب الدماء التي ستتناثر في كل مكان، يدرك خطوة وأهمية تفويت فرصة تنفيذ إتفاق الرياض، التي لن تتكرر.