عمر علي البدوي يكتب:
إيران والخليج: حوار في زمن المحاسبة
جدّدت الحكومة الإيرانية مزاعمها بطلب الحوار مع السعودية، وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي، إن بلاده على استعداد دائم للحوار مع جميع دول منطقة الخليج، والكرة الآن في الملعب السعودي، وأن طهران تسعى لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، ومستعدة للتعاون والحوار مع جميع دول الجوار.
تختلف كل من الرياض وطهران في زاوية النظر إلى منطلق الحوار وأهدافه، ترغب السعودية في تحقيق إنهاء كامل للتأثير الإيراني، التخريبي والعبثي، من المنطقة العربية. فيما تنظر إيران إلى المنطقة كحقل مستباح تمارس فيه نفوذها، وحق مشروع للتدخل، وهي تجتهد في كل مرة لزيادة رصيدها من أوراق التفاوض والضغط، ولو كلف ذلك زرع ميليشياتها وبسط نفوذها فوق جراح العرب. وبهذا التباين الواضح في وجهتي النظر، تنعدم أية فرصة للتقارب والتفاهم.
وهذا ما كانت السعودية قد أبلغته سابقا إلى القيادة الإيرانية، عبر عميد دبلوماسيتها ووزير خارجيتها الراحل الأمير سعود الفيصل، عندما رفض طلب نظيره الإيراني، جواد ظريف، للتعاون والنقاش حول شؤون المنطقة، قاطعا عليه الطريق بقوله إن المنطقة العربية ليست من شأن الإيرانيين.
تواجه إيران ما يمكن وصفه بزمن المحاسبة الدولية، وساعة تسديد فاتورة ثمن غرورها التوسعي، ودورها التخريبي في المنطقة، وما تشكله من تهديد لاستقرار العالم ككل
تعود طهران من جديد مرغمة لإحياء نغمة طلب الحوار المزعوم مع الرياض، في ظل ظروف عاصفة، وغير عادية، تعيشها الحكومة الإيرانية هذه الأيام، وقد أحاطت بها الضغوط والتحديات، التي عرقلت الكثير من مخططاتها التخريبية، وأحبطت مشاريعها في التوسع، وأكرهتها على إعادة النظر في إستراتيجيتها ومخططاتها.
انزلقت إيران في سلسلة من الخسائر المتلاحقة، بدأت بسقوط قذائف الطائرة الأميركية على رأس المدبّر الأول لمشاريعها الخارجية، قاسم سليماني، في محيط مطار بغداد، وسرعان ما تلتها سلسلة من التحديات القاسية، والانعطافات الحادة، إذ لا يكاد يمضي أسبوع حتى تتصاعد أعمدة الدخان داخل الأراضي الإيرانية، وهي تتلقى الضربات والصفعات الجوية والسيبرانية، في ظل عجزها الكامل عن الرد أو التعليق أو مجرد التفسير، كما أن القيود الاقتصادية تزيد من الضغط عليها، وينعكس أثرها على الوضع المعيشي للسكان الذين باتوا يشتكون من قسوة الواقع المحلي.
لا تثق دول المنطقة العربية في صدق نوايا إيران، أو في مدى جديتها لطلب الحوار والتفاهم حول القضايا العالقة، في أجواء العلاقات المتوترة والملتبسة، بل تجد تلك الدول أن هذا المناخ العاصف، الذي يهزّ استقرار المشروع الإيراني، أفضل وصفة لدفع طهران إلى التنازل عن طموحها التوسعي الأعمى وسلوكها الأرعن.
لقد اعتادت دول المنطقة أن تسمع من إيران كلاماً مرسلاً، تزجي فيه خطاباً معسولاً ومنزوعاً من الجدية، وحوارات لا توصل في النهاية إلى تفاهم. بينما تغرز في أرض الميدان مخالبها مبددة فرص السلام الجاد والحقيقي. وهي الآن تكرر نفس المعادلة بتجديد طلب الحوار مع دول الخليج العربي، على مسافة أسابيع قصيرة من إعلان الجيش الإيراني عن بناء ما يطلق عليه اسم “مدن صواريخ” في مواقع تحت الأرض في الخليج، وعلى سواحلها الجنوبية، بحسب ما أفادت وسائل إعلام إيرانية.
تختلف كل من الرياض وطهران في زاوية النظر إلى منطلق الحوار وأهدافه، ترغب السعودية في تحقيق إنهاء كامل للتأثير الإيراني، التخريبي والعبثي، من المنطقة العربية. فيما تنظر إيران إلى المنطقة كحقل مستباح تمارس فيه نفوذها
تواجه إيران ما يمكن وصفه بزمن المحاسبة الدولية، وساعة تسديد فاتورة ثمن غرورها التوسعي، ودورها التخريبي في المنطقة، وما تشكله من تهديد لاستقرار العالم ككل، بعد أن أغرتها الظروف التي تمر بها المنطقة، وانصراف المجتمع الدولي عن متابعة سلوكها التخريبي، لتمعن في تنفيذه، تحاول بذل ما في وسعها لفرض مشروعها الفاسد.
بعد 24 عاماً على تفجير أبراج الخُبر في السعودية، أصدرت محكمة اتحادية في واشنطن قراراً اتهمت فيه إيران بتدبير العملية، وأمرتها بدفع 879 مليون دولار تعويضاً للضحايا. ومن جهة أخرى حددت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان موعد النطق بالحكم في قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، وسيصدر الحكم على مسؤولين تابعين لحزب الله اللبناني، كما أن تفعيل قانون قيصر جار لاستهداف كل المرتبطين بالمأساة السورية، وعلى رأسهم الجماعات والأفراد السائرون في فلك طهران، والمنضوون تحت لواء مشروعها الخاسر.
في هذا الإطار، يخشى أن تكون دعوتها الشاردة للحوار وطلب التفاهم مع الرياض، مجرد خيار اضطراري، لذر الرماد في العيون، وتخفيف وطأة الظروف القاسية التي تكابدها الآن، ولا ينطوي على أي نية جادة أو صادقة للخروج بالمنطقة مما وصلت إليه بسبب سلوكها التخريبي ومشروعها العبثي.