وليد ناصر الماس يكتب:
اتفاق الرياض... تطلعات وخيبات
استقراء المستقبل السياسي لأي بلد يمر بظروف سياسية استثنائية وحرجة، لا يتطلب سوى مراقبة نمط سلوك القوى المختلفة الموجهة له وشكل علاقاتها ، وطبيعة الظروف المحيطة بها، والمؤثرات الأخرى التي يُتفاعل معها.
ففي هذا السياق فانخراط قوى جنوبية مطالبة بالانفصال في تشكيلة حكومية تضم قوى شمالية، يمثل تطورا نوعيا ومهما، يدعونا للتوقف عنده، والبحث في تفاصيله، واستقصاء ما يمكن أن ينجم عنه.
فالحكومات اليمنية المتعاقبة منذ حرب 1994م، قد خلت تماما من أي تمثيل للجنوب لقوى تؤمن بالحق الجنوبي، واكتفى الطرف الشمالي المنتصر فيها، على تمثيل الجنوب في الحكومة المركزية بطريقة انتقائية، من خلال الاختيار من ضمن تشكيلات الأحزاب الشمالية أصلا، بطريقة يضمن فيها تفرده بالسلطة وهيمنته الكاملة على قراراتها وتوجهاتها.
اللافت في هذا الأمر المظهر العام للاتفاق (اتفاق الرياض) الذي تعاطى مع الصراع الراهن من أضيق زواياه، بتركيزه على شقه السياسي دون الالتفات لجذور الأزمة، من خلال التأكيد على المشاركة السياسية البحتة، وإطلاقه للوعود بإشراك الجنوب في مفاوضات الحل النهائي المرتقب، والتي لا نتوقع لها سوى أن تكون مشاركة صورية، فالمقاعد الوزارية المخصصة للجنوب أو بالأحرى للتيارات الجنوبية المشاركة في هذا التفاوض قد عُرفت سلفا، ولن يدور نقاشا من أي نوع في الشأن الجنوبي حينها.
الخلاف الجنوبي الشمالي يمثل أعقد قضايا الملف اليمني على الإطلاق، وحلحلة هذا الملف يتطلب إجراء دراسة مستفيضة حوله، لتقييم أنجع الحلول الممكنة له، وإن كانت بعض تلك الحلول أو أقلها تقتضي ببقاء الجنوب في ظل الوحدة، إلا إن ذلك الخيار رغم هشاشته ودونيته يتطلب جهدا واسعا من الراعي الرسمي لهذه الجهود والمساعي، لإعادة صياغتها من جديد أي الوحدة بين الشريكين (بعد أن أُثبت فشل صيغتها السابقة). أي صياغة للوحدة ينبغي أن تمثل صورة ملائمة ومقبولة، تُحفظ من خلالها حقوق الطرفين وتصان مصالحهما، ليعم السلام بينهما والوئام وتُطوى سنوات طوال من التنافر والاقتتال.
اتفاق الرياض بصورته الراهنة، لم يتناول قضية القضايا لهذا البلد كما سبق وأن أسلفنا، واكتفى بحلول جزئية للنزاع الجاري، وهذا ما يدفعنا للتأكيد مجددا على أن هذا الاتفاق برغم تعويل البعص عليه، سيظل بمظهره الراهن منقوصا، ويؤسس لتدويل قضايا هذا الملف الحساس، للمزيد من نزاعات دموية قادمة، على المديين المتوسط والبعيد.
اتفاق الرياض تناول الخلاف الجنوبي الشمالي من زاوية سياسية بحتة كما وأن أشرنا، الأمر الذي مثل إجحادا للحقائق الماثلة وتقزيما للخلاف، فالصراع الجنوبي مع الشمال في جوهره يمثل صراعا حضاريا بامتياز بين شعبين وهويتين وثقافتين تقفان على طرفي نقيض من بعضهما، وعليه فتقاسم المقاعد الحكومية وإدارة المحافظات بين طرفي الخلاف الحاليين، لا يمثل سوى أدنى مستويات الحل المفترضة لأمد الصراع.
فهل يعي حكام المملكة السعودية حقيقة ما ينبغي أن يُطرح من حلول ومبادرات؟..
والله على ما نقول شهيد.