حميد طولست يكتب:

الإنعطافة الجديد في الصراع العربي الإسرائيلي !

كلما حاولت فهم الأحداث من حولي وإدراك فلسفة مقاصدها ، سواء على المستوى العربي أو العالمي، وربطها بالواقع المعاش ، إلا وانتهت محاولتي بالفشل الحتمي ، ليس لأن الربط غير ممكن تطبيقه  على أرض الواقع ، لكن لتنافيها مع المنطق ، وعدم خضوعها لقواعده ، بعدها عن التناسق مع بَدِيهِيٌّاته  والانسجام مع مسلماته ، وعلى رأسها ، ما تم قبل أيام من تطبيع بين الإمارات وإسرائيل أقام الدنيا ولم يقعدها ، وكأنه الإنعطاف الأول في تاريخ القضية الفلسطينية ، أو أنه الهزيمة الأولى للأمة العربية والإسلامية في صراعها مع إسرائيل، أو أنه المقوض الوحيد والأوحد للوحدة العربية حول القضية الفلسطينية والتي لم تكن موحدة ولو صوريا . 

أمام حساسية الموضوع وحرجيته ، وما يمكن أن يثيره على الخائض فيه من سخط وعدائيات معارضي التطبيع ، لا أجد  عضاضة في الإعلان بأني لا أتفق مع التطبيع العربي الإسرائيلي بأي حال من الأحوال ، ليس خوفا أو إتقاء لشر المهووسين بالعدوانيات الثقافية والسياسية والدينية غير المبررة ضد مخالفيهم ، وليس إيمانا بأوهام أيديولوجياتهم الغارقة في هذيان الذاتية ، والمنغمسة في الإنحيازية ؛ وإنما لبعد معارضاتهم وشجبهم وتنديدهم بالتطبيع العربي الإسرائيلي عن صدقية معالجات القضية الفلسطينية وجديتها المرتكزة في غالبيتها على ما يراود قلوب العاطفيين المعذبين من أحلام وخيالات وطروحات طوباوية بعيدة عن حجيم الواقع ومعاناته وجدية الحلول وواقعيتها المحلقة في سماوات الأفلاطونيات الوهمية ، المغيّبة للعقل والمعرفة التاريخية الحقيقية ، والمكرسة للوهم كملاذ وبديل يوتوبي تبنى عليه العلاقات مع الآخرين الذين لا يُنظر إليهم إلا بعين واحدة ، ولا توزن قضاياهم إلا  بميزان واحد "أبيض أسود" "نحن  هم" ، "عدو صديق" ، ويكال لهم بمكيالين ، أو بكل مكايل ازدواجية المعايير المبنية على المصلحة الخاصة ، والمتعارضة مع أسس العدالة وإحقاق الحق ونصرة المظلوم ،  السلوك الأرعن الذي تبنته العقول التي نال الخلل من جزء من بنيتها وإلتي أقامت الدنيا دون إن تقعدها بسبب إتفاق الإمارات مع إسرائيل ، رغم إشتراط تجميد الضم مقابل السلام ، وغضها الطرف عما يماثله من التطبيع  الذي انتهجته كل من "قطر وتركيا" ، رغم كونه غير مقيد بأي شرط ، والمغيب لكل مصالح القضية الفلسطينية  أو التطبيع الذي سلكته غالبية الدول العربية والإسلامية التي نسجت ، منذ زمن بعيد، خيوط التقارب والتواصل مع إسرائيل ، الذي كان سريا -لا يعلم به إلا أصحابه ، والمتابعون عن قرب للواقع السياسي والدبلوماسي للبلدان العربية والإسلامية- تحت مسمّيات ودواعي شتّى ، والمتمثل في الأعمال الفنية والثقافية والرياضية والرحلات السنوية الدينية والسياحية ولقاءات الثقافية ومؤتمرات "التسامح بين الأديان" والمكاتب التجارية ، وغيرها من المجالات التي تمس الحياة اليومية للشعوب ، وتدبدب قناعاتها ومبادئها ، المتدبدبة أصلا، وتخط الطريق -المخطوطة مسبقا- وتعبدها وتوسعها أمام تراكض الكثير من الدول العربية والإسلامية لترتمي علنا وعلى رؤوس الأشهاد ، في أحضان تل أبيب ، زرافات ووحدانا..  

وفي الختام أتمنى أن يتدبر القارئ الكريم مكتوبي بشيء من الواقعية البعيدة عن الأفكار الجاهزة ، والمجردة عن الأحكام المسبقة المبيتة ، والمنزهة من الظنون الآثمة والتصورات المتحيزة  ،  ويأخذ الموضوع بكل بساطة ، على أنه من باب الاختلاف في الرأي الذي هو جزء من طبيعة الإنسان ، وآية من آيات الله تبارك وتعالى، بدليل قوله تعالى  :"ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين".