هاني مسهور يكتب:

مظاهر الحب والتأييد تطوق الإمارات بالمحافظات المحررة

على مدار ربع قرن، ظلت توازنات الشرق الأوسط على حالها، برغم ما عرفته المنطقة من تحولات جاءت عقب اتفاقية أوسلو عام 1993، فعديد الأحداث لم تؤثر في شكل التوازنات التي شهدت صعوداً للقوى الإسلاموية المدعومة من إيران وتركيا، وظهر «مشروع الهلال الشيعي»، الذي اشتد مع سقوط نظام صدام حسين في العراق عام 2003.

انتهزت القوى الأصولية التوازنات الهشة القائمة على التغيير الاستراتيجي بعد اتفاق أوسلو، الذي اعتمد قاعدة (الأرض مقابل السلام)، لاغياً كل ما قبلها، بما في ذلك مقررات قمة الخرطوم 1967 الشهيرة بقمة اللاءات الثلاث بكل نزعة القوميين العرب آنذاك.

مهددات الأمن القومي العربي تكاد شبه محصورة في إسرائيل، وبعد حرب أكتوبر غيرت مصر التوازنات، ووضعت شكلاً واضحاً للشرق الأوسط، خاصة أن المصريين استفادوا سياسياً من انتصارهم، واستطاعوا من معاهدة كامب ديفيد استعادة كل التراب المصري.

حالة اللاحرب واللاسلم أتاحت تزاوجاً بين الخطاب الأصولي والعروبي، مما شكّل يساراً يحصل على قوته من شعارات، جعلت من فلسطين قضية مركزية دون تحديد شكل الدولة الفلسطينية، أكانت دولة مدنية أو أصولية، وهو ما أنتج حالة الانقسام القائمة بين سلطة لم تعد تملك سوى إرث الثورة وشعاراتها، وجزء وجد في أن يتحول للقوى الإيرانية والتركية أداة ابتزاز لرهن القضية الفلسطينية لتلك القوى في مقابل القوى العربية والإسلامية، التي ظلت تعتبر فلسطين قضيتها الأولى، برغم سقوط أربعة عواصم عربية (بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء)، وكادت أن تكون عدن الخامسة لولا الموقف العربي السعودي- الإماراتي، الذي ساهم في تأمين ما تبقى من الأمن القومي العربي.

هذه الحالة غير الواقعية، أسهمت في تشكيل فوض ما يسمى «الربيع العربي»، وأسهمت باستبدال الدولة الوطنية بدولة تحمل الهيكل الوطني، ولكنها تُدار من القوى الإقليمية لتهديد العمق العربي، الذي بدوه شكل محوراً سياسياً قائماً على (الإمارات والسعودية ومصر والبحرين)، غير أن هذا المحور، وهو يخوض معارك على مختلف الجبهات مطلوب منه تغيير التوازنات في الشرق الأوسط، وهذا ما فعلته معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل.

التحول السياسي المباشر جاء من خلال إعلان الحكومة الإسرائيلية، وقف ضم الأراضي الفلسطينية تأكيداً لالتزامها العملي بالمعاهدة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو ما يتيح للسلطة الفلسطينية، وخلفها العالم العربي فرصة لتفعيل «حل الدولتين»، وهو ما يعني التمسك بالمبادرة العربية التي قدمتها السعودية، وتوافق عليها العالم العربي.

حراك دبلوماسية الولايات المتحدة فتح الباب مجدداً أمام السودان ليعود للأسرة الدولية، ويتخلص من ما تبقى من إرث حكم «الإخوان»، كما أن واشنطن طرقت باب علاقتها مع العراق، وهو أيضاً ما سيمكن بغداد من التخلص من القيود الإيرانية، وتستعيد هويتها العربية بخروجها من العباءة الخومينية.

كسرت الدبلوماسية الإماراتية قواعد الموازين في الشرق الأوسط، وأغلقت أبواب تجار قضايا الأوطان في التزام برؤية الإمارات السياسية، بتثبيتها ودعمها للدول الوطنية في العالم العربي والشرق الأوسط، والسير بهذه المنطقة لاستقرار يفتح أفاق التنمية للشعوب، التي دفعت أثماناً باهظة جداً في حروب ونزاعات تاريخية، وما انفجار مرفأ بيروت سوى حادثة من حوادث الرعب في هذه المنطقة.

رقعة الشطرنج ظلت جامدة لعقود، دون أن تتحرك أحجارها أو تتزحزح، فيما كانت إيران تُسقط الدول العربية، وعلى نهجها الأتراك بتهديد وجود للدول العربية، التي شاهدت للمرة الأولى أنه من الممكن سياسياً انتزاع الأرض، وكذلك السلام من إسرائيل بكل الشجاعة نتيجة تموضع عقلاني وقراءة واقعية لخطوة سياسية منها، يمكن خلق فرص أكثر للسلام، ووضع حد نهائي للمخالب، التي أدمت الإنسان في هذه المنطقة من العالم.