ربما ان بعض المهتمين بالشأن السياسي تصور بأن الإمارات في ليلة وضحاها انقلب موقفها وتغيرت سياساتها اتجاه القضية الفلسطينية وهذا في الحقيقة تصور خاطئ وقصور في النظر الى مدى الاستراتيجية التي وضعتها دولة الإمارات منذ أكثر من عقد من الزمن والتي تقوم ركائزها الأساسية على الدمج بين مفهومين اساسيين وهما الأول ان السلام حقيقة ثابتة لا تتغير ولكن طرق الوصول اليه تتجدد بحسب دورة الزمن والتبدلات والمتغيرات.
اما المفهوم الثاني فلأجل تحقيق السلام لا بد من تحديث أدواته وامتلاك الإرادة السياسية وهذا فعلا ما تجسد في توجه دولة الإمارات العربية نحو مبادرة السلام مع اسرائيل وفقا للثوابت التي اقرتها مبادرة الملك السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز وقرارات القمم العربية الا ان بعض المتصيدين في الماء العكر من جواري السلطان والمرتبطون بمحور المقاولة الذي يعتمد معيار القبض شعارا له يحاولان خلط الاوراق ولكن في النهاية فأن ما ينفع الناس سيمكث في الأرض واما الزبد فيذهب جفاء.
ان مجمل السياسات التي انتهجتها دولة الإمارات العربية وسهر عليها وزير الخارجية الإماراتي الألمعي سمو الشيخ عبدالله بن زايد وطاقمه السياسي والدبلوماسي كانت تقوم على دمج سلسلة من المبادرات الدولية النشيطة والفعالة مع دبلوماسية متعددة الاطراف من اجل بلورة وتطوير مفهوم للسلام العالمي بأدوات جديدة وفكر جديد يقوم على ان السلام والامن الدولي منظومة واسعة من القيم والعلاقات الدولية والمصالح الاقتصادية وتبادل المنافع والحوارات الثقافية بين الشعوب والاديان ونشر خطاب التسامح وتكريس قيم التعايش السلمي بين الحضارات والثقافات ولا بديل عن هذا الطريق فاذا كنا نعترف ونقر جميعا ان العالم كله بمفاهيمه وأساليبه وأدواته قد تغير فلماذا لا نقر باننا ايضا يجب ان نغير في منطقتنا العربية اساليبنا وطرائقنا في التفكير والتدبير بعيدا عن الخطاب الخشبي وشعارات عقدي الخمسينات والستينات من القرن المنصرم .
نحن حقيقة امام تطورات مذهلة خصوصا ما بعد مرحلة كوفيد 19 كما يقر بذلك كل العالم ولذلك فان دولة الإمارات العربية امتلكت رؤية للمستقبل بروح التجديد والتفاعل مع البيئة الدولية وهذا ما يميزها عن الاخرين.
الإمارات التي تدرس دبلوماسييها مواضيع الدبلوماسية الرقمية وكيفية توظيف مفاعيل الثورة التكنلوجية في تطوير مفهوم السلام العالمي لن تتخلى عن قضية فلسطين مثلما اكد على ذلك سمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد ابو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في رسالته الى الجالية الفلسطينية المقيمة في الإمارات والتي نقلها بكل حب واعتزاز سمو الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية والذي اكد بوضوح تام بأن الإمارات لن تحيد عن موقفها الثابت في دعم حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ولا تريد ان تكون بديلا عن ممثليه الشرعيين انما فقط هي اختارت ان تعطي للسلام دفعة من الامل والفعالية فالحروب ليست كما كانت في السابق ساحات قتال وطائرات تقصف ودبابات ترمي قذائفها فحسب انما حروب الجيل الجديد ربما تحسم من دون اطلاق قذيفة واحدة فمعارك الكترونية عابرة للقارات واقمار تراقب وطائرات مسيرة بكلفة الف دولار فقط وعقوبات اقتصادية وعزلة سياسية وحصار اعلامي وغير ذلك هي سمات العصر.
فمن وسط هذه التحديات انطلقت مبادرة السلام الإماراتية بكل شجاعة وجرأة لتلقي حجراَ ثقيلا في بحيرة الركود فدائما يعلمنا التاريخ ان الشجعان والاذكياء هم من ينتصرون في النهاية فلم تعد القذائف والذخائر من تحسم الحروب انما هي القدرة على توظيف ادوات العصر بالطريقة الصحيحة كما تفعل الإمارات في نهجها نحو تعميق وتطوير مفهوم السلام العالمي لكي تعيش اجيالنا في تنمية وتحديث وحياة كريمة.
فالمستقبل وحده هو من تعمل لأجله الامارات بروح من التعاون والتفاعل الدولي مع جميع القوى المحبة للسلام والتعايش وعلينا ان ندرك ان إيقاع الزمن متسارع ومن لا يلحق الركب ويتطور سيعيش ابد الدهر بين حفر الشعارات الفارغة ويستوطن التخلف ويتلاشى من خارطة العالم.
قرار الإمارات العربية قرار استراتيجي واختراق نادر في زمن يحتاج الى الشجاعة والوضوح.