سمير عادل يكتب لـ(اليوم الثامن):
أين نقف من الاتفاق الإماراتي- الاسرائيلي
ما يجعلنا نكتب حول موضوع الاتفاق الاسرائيلي-الإماراتي بتطبيع العلاقات بينهما، هو لتبديد الاوهام حول المتاجرة بالورقة الفلسطينية والظلم القومي الواقع على الشعب الفلسطيني، وخاصة أن هذه الورقة حركت الكساد السياسي الذي ساد سوق قوى الاسلام السياسي الشيعي في العراق وميليشياتها بعد أن خسرت السلطة التنفيذية لصالح غريمتها القوى القومية الموالية لامريكا، واصبحت محاصرة بالغضب الجماهيري بسبب جرائمها وفسادها وقتلها لمئات المتظاهرين. فليس عجبا قيام شخصيات عرفت بالطرف الثالث لقتلهم المتظاهرين مثل قيس الخزعلي ونوري المالكي يبديان غضبهما ورفضهما للاتفاق وتجديد رفع لواء “المقاومة والممانعة” التي اصبحت الخرقة الوحيدة التي تغطي عبثا عوراتهم السياسية والاجتماعية.
ان دولة اسرائيل كما كان موقفنا منها من قبل هي دولة ابارتايد، دولة عنصرية، دولة فاشية، دولة تتمدد كل يوم على مصادرة أراضي الفلسطينيين دون اي وجه حق. دولة تقوم على استثمار فائض القيمة المطلق للعامل الفلسطيني واستغلاله مستثمرة أوضاع الاحتلال والمعاناة التي يعيشها بسببها، دولة قائمة على الظلم القومي السافر للشعب الفلسطيني، دولة قائمة على البلطجة الامريكية واستهتارها بكل القيم الانسانية. وبقدر ما ننظر الى دولة اسرائيل بالمعيار الذي اشرنا اليه، ننظر بنفس القدر الى دولة الامارات او بالاحرى اقطاعية الإمارات وهي اقطاعية قائمة على كل أشكال القمع للحريات السياسية والحقوق المدنية والحط من قيمة المرأة الى الحد الذي قامت زوجة حاكم دبي (بن راشد) الأميرة هيا بالهروب ورفع دعوى طلاق ضده في المحاكم البريطانية وسبقتها محاولة هروب فاشلة للاميرة لطيفة بنت نفس الحاكم . اقطاعية تضرب حقوق العمال الأجانب بعرض الحائط وتمارس أبشع انواع الانتهاكات الصارخة بحقهم لا تقل وحشية عن ممارسات دولة قطر تجاه العمال الاجانب، والمنافية حتى لمعايير منظمة العمل الدولية، اقطاعية متورطة بدعم الجماعات الارهابية الاسلامية في سورية وليبيا وقبلها العراق، اقطاعية لها اليد الطولى بالجرائم التي ترتكب اليوم في اليمن ومسؤولة مباشرة عن الخراب والحرب الاهلية التي تعم فيها.
إن اي اتفاقية بين مثل هاتين الدولتين اسرائيل والامارات واي كان نوعها هي اتفاقية لا تخدم إلا مصالح الطبقة البرجوازية الحاكمة فيهما على حساب مصالح الطبقة العاملة وسائر الجماهير المحرومة سواء في تلك الدولتين أو في المنطقة. ومن الحماقة تصديق كذبة المسؤولين الإماراتيين بتبرير عقد الاتفاقية للحيلولة دون ضم الأراضي الفلسطينية من قبل المجرم نتنياهو، فهي اي الاتفاقية بعيدة كل البعد عن انهاء الظلم القومي بحق الشعب الفلسطيني، وليس سوى حجج لتمرير اتفاقياتها عبر ادامة استمرار خداع جماهير المنطقة بالكذبة الفلسطينية، وخاصة انها تضع يدها الملوثة بالجرائم ضد الانسانية بيد اكثر اجراما منها وهي دولة إسرائيل. وأكثر ما يثير السخرية هو النفاق التركي الذي يمتهنه حزب الاخوان المسلمين وهو العدالة والتنمية الذي يمثله اردوغان حيث يرفض الاتفاقية، في حين لم تتوقف يوما العلاقات التجارية بين اسرائيل وتركيا فحسب، بل تطور حجم التبادل التجاري بينهما مقارنة بفترة ما قبل الهجوم الاسرائيلي على سفينة مرمرة التي كانت تحمل المساعدات عام ٢٠١٠ الى غزة بسبب الحصار الاسرائيلي عليها بنسبة ١٤٪ اي ليصل الى نسبة ٤ مليارات دولار سنويا حسب بيان وزارة الخارجية الاسرائيلية ومركز زيتون الفلسطيني للدراسات والاستشارات. بيد ان الحقيقة وراء تلك المزايدات سواء في تركيا او في ايران هو الخوف من دخول اسرائيل المتفوقة عسكريا وتكنولوجيا الى المنطقة لتقوية التحالف-الإماراتي-السعودي المنافس الإقليمي لتحالف تركيا-قطر وتحالف الجمهورية الاسلامية في ايران ومزاحمتهما على النفوذ السياسي والاقتصادي، وليس هناك ورقة من الممكن ان تباع في سوق المزايدة القومية والدينية مثل الورقة الفلسطينية لتعبئة جماهير المنطقة ضد توسع النفوذ الإسرائيلي.
ان القضية الفلسطينية لم تكن قضية (العرب الاولى) بالنسبة للانظمة القومية العروبية الاستبدادية الحاكمة إلا بقدر حاجتها لتلك الورقة لتشريع القمع وفرض الافقار والحد من قيمة الإنسان في العالم العربي الذي حكموه تحت يافطتها لادامة سلطتها بالفساد والسرقة والاجرام. واليوم أمست هذه الورقة مهترئة بالنسبة لتلك الانظمة وباتت بالية ولا يمكن لها ان توهم الجماهير وتقوم بتعبئتها وتعمل على تظليلها بعد الثورتين المصرية والتونسية، وهي كانت كذبة صدقتها جماهير فلسطين قبل جماهير المنطقة مثل غريق يحاول أن يتمسك بقشة لانقاذه. ألم يقل لنا خامنئي قبل فترة عندما ازداد ضغط الحصار الاقتصادي على ايران بأنه لا ينوي تدمير دولة اسرائيل في الوقت الذي أشعل الدنيا بيوم القدس!!
وليس هذا فحسب بل ما يثير الشفقة في هذا المشهد السياسي هو القوميين العروبيين، وذلك النوع من اليسار الغاضب أكثر من القوميين أنفسهم بما قامت به الامارات، وكأن لو قامت اندونيسيا او اكوادور أو مدغشقر محل ما قامت بها الإمارات لكانت مسألة عادية في عالمهم السياسي، لأن الخوف كل الخوف من تدنيس الهوية العروبية، في حين تقيم مصر( العروبة) والأردن وقطر (الجزيرة) علاقات وثيقة و وطيدة مع اسرائيل كما ان المغرب والسودان ليسا ببعيدين عن علاقاتهما بها. وأبعد من ذلك فإن اليسار التائه في أمواج البحر القومي العروبي ينظرون الى سياسة التطبيع وكأن الإمارات (العربية) دولة الحرية والمساواة وجنة الانسانية، وقد ناقضت مبادئها عندما أبرمت اتفاقية مع دولة إسرائيل.
بالنسبة لنا نحن الشيوعيين ان اتفاقية التطبيع مع اسرائيل من عدمها لا تأخر ولا تقدم من القضية الفلسطينية، وأنها جزء من التحولات السياسية التي تحدث في المنطقة التي تلبي مقتضيات الحاجة البرجوازية في تلك البلدان من مصالح سياسية واقتصادية بالدرجة الاولى، وان انهاء الظلم القومي على الشعب الفلسطيني لا يتم لا عبر الجامعة العربية ولا عبر هذه الانظمة الاستبدادية العربية، وكل سياستها واعمالها وابواقها الدعائية حول القضية الفلسطينية كان للاستهلاك المحلي وليس من أجل تحرير الشعب الفلسطيني من الظلم القومي وتأسيس دولته المستقلة، والتي جربت طوال أكثر من ثلاثة أرباع القرن الترياق القومي العروبي حول القضية الفلسطينية.
إن نضال الشعب الفلسطيني وتضامن القوى التحررية والانسانية في العالم معه بما فيه معسكر السلام في دولة اسرائيل المنفصلة عن ليكود والعمل والازرق ابيض والعصابات اليمينية والدينية هو الطريق لتأسيس دولة فلسطين المستقلة وإنهاء الظلم القومي الجائر على الشعب الفلسطيني.