رئيس التحرير يكتب:
دولة ورئيس في فندق بدولة أخرى
"عبدربه منصور هادي"، الرئيس المنتهية ولايته، يدخل في الـ21 فبراير من 2021، العام التاسع، وهو رئيس قضى منها عام وعشرة اشهر رئيسا في صنعاء، وشهر كان محاصرا في منزله وشهر ونصف في عدن، وبقية السنوات الست وهو خارج البلد، يدير شرعية مسلوبة من كل شيء ودولة فاسدة من فندق في دولة مجاورة..
وحتى لا يقال اننا نظلم المارشال هادي، تعالوا معي نستعرض ولو جزء من تاريخ ما يسمى بالحكومة الشرعية التي ازعجنا الاعلام الرسمي بالحديث عنها وعن حربها ضد الحوثيين.. وبعد ذلك نسأل أنفسنا، ما هي الشرعية وهل يجوز او هل من الواجب الدفاع عنها أو على الأقل الاعتراف بها.
- في الـ21 من فبراير 2012م، خاض عبدربه منصور هادي، انتخابات رئاسية منفردة، رفض الجنوب انتخابه، بدعوى انه قد يكون مشرعناً للاحتلال اليمني، ومع ذلك مضت انتخاباته بتزوير صناديق الاقتراع، ليدخل بدعم اقلمي في حوار يمني، لم يستفد منه سوى الحوثيون، الذين منحهم شرعية سياسية، مع ان القانون اليمني يحرم "انشاء أحزاب او تكتلات سياسية جهوية"، ناهيك عن طائفية الحوثيين، الذين لم يلبثوا الا اشهر قليلة بعد انتهاء مؤتمر الحوار بانتهاء ولايته عبدربه منصور هادي رئيسا في العام 2014م، حتى اعلنوا عن اسقاط صنعاء، التي كانت بالفعل ساقطة بدخول صنعاء في فوضى الربيع العربي.
- لم يقتصر الأمر هنا، عند الشرعنة السياسية للحوثيين، بل اجُبر هادي في الـ21 من سبتمبر 2014م، على اشراك الحوثيين في السلطة، بتوقيع اتفاقية السلم والشراكة، التي كانت الخطوة الأخيرة نحو الإطاحة بالرئيس من السلطة، وهو ما حصل بتقديم استقالته، لولا البرلمان ومن كان له الدور في اخراج هادي نحو عدن، وليس نحو مأرب، لهدف في نفس المنقذ لهادي.
- في الـ21 فبراير 2015م، وصل هادي خلسة إلى عدن، وظن الإقليم ان الرئيس يستطيع ان يقلب الطاولة على الجميع ويهزم الحوثيين، ومعهم الإخوان والمؤتمر والقوى اليمنية التي كانت قبل أسبوع من فرار هادي، قد اتفقت على تسمية رئيس بديل، كان حينها محمد سالم باسندوه.
- دفع الاقليم أموال طائلة هادي للتصدي للحوثيين ومنعهم من التغول صوب الجنوب، أرسلت دول الخليج أمين عام مجلس التعاون عبداللطيف الزياني (السابق)، والذي تعهد لهادي في قصر معاشيق بتقديم كل سبل الدعم لمنع التمدد الإيراني صوب الجنوب.
- كانت عدن شبه ساقطة بما فيها من معسكرات "شمالية تدين بالولاء للانقلابيين الحوثيين".
- حاول هادي تفكيك هذه القوات، وأصدر قرارا بإقالة قائد قوات الأمن الخاصة عبدالحافظ السقاف، الذي رفض القرار، واضطرت اللجان الشعبية بقيادة البطل علي الصمدي، اجبار السقاف على تسليم المعسكر، وكان على وشك ان يقع في الاسر لولا ان مقربين من هادي توسطوا في إخراجه خلسة إلى لحج ومنها إلى تعز، وهذا الكلام ليس من عندي، بل موثق.
- كانت اللجان الشعبية القادمة لودر، تخوض قتالا شرسة على الرغم من الحروب العديدة التي تعرضت لها، وخاصة من الذين رفعوا شعار "انها لجان من خارج عدن ويجب طردها، وحين دخلوا الحوثيين العاصمة التزموا الصمت"؛ وهم معروفون طبعاً.
- قبل وصول الحوثيين إلى عدن، كان هادي قد شكل لجنة أمنية برئاسة عبدالعزيز بن حبتور محافظ العاصمة حينها ورئيس اللجنة الأمنية، فهرب هادي عن طريق معبر العلم، فيما فر بن حبتور صوب معبر الرباط، الأول صوب سلطنة عمان ومنها إلى السعودية والأخير صوب صنعاء، عاصمة الحوثيين الانقلابيين.
- تناسى الجنوبيون "الخلاف مع هادي"، وذهبوا للاعتراف به كرئيس شرعي، على الرغم من انهم قاتلوا تحت راية الجنوب، الا انهم اعتبروا ذلك دفاعا عن شرعية الرجل، وحققوا الانتصار الوحيد، ودفعوا الحوثيين خارج الجنوب.
- لكن ماذا حصل، هل كرمهم هادي، هل أشركهم في الحكم، هل عاملهم كما عامل الحوثيين في صنعاء.. بكل تأكيد لا، عاد الرجل للتحالف مع الإخوان الذين أتوا بالمرشح البديل له، ومكنهم من كل شيء، حتى بدأوا في إزاحة الجنوبيين من مناصبهم، وحين انتهوا من ذلك، دشنوا معركة محاولة تفكيك "التحالف العربي"، أما هادي فقد أعجبه إدارة "الدولة والشرعية من فنادق الرياض"، وأصبحت الرئاسة بالنسبة له "غرفة وصالة"، وحزمة قات تأتي له ولنائبه علي محسن الأحمر.
- كان هادي على خلاف شديد مع علي محسن الأحمر، وكان يرى انه يشكل خطرا عليه في صنعاء، حتى ان هادي فكر في التحالف مع الحوثيين ضده، لولا ان مشروع الحوثيين "إقليمي"، ومع ذلك عاد الرجل لتعيينه نائبا له، بعد إزاحة كل رئيس وأعضاء الحكومة بقيادة خالد بحاح، الذين تحملوا الآمرين في مواجهة الانقلاب الحوثي.
- كان بإمكان هادي، ان يحول عدن إلى عاصمة "حقيقية"، لو انه فكر بعقلية الرئيس المسؤول عن البلد، لكنه ترك العاصمة تواجه مشاريع الدمار والخراب الذي للأسف كان يموله بمواردها لتدميرها، وكله ليس لأفشال محافظ عدن اللواء عيدروس الزبيدي، الذي أتى خليفة للشهيد البطل جعفر محمد سعد، فحسب ولكن لمنع عدن ان تكون عاصمة حقيقية، وقد اعترف وزير خارجية اليمن الأسبق عبدالملك المخلافي بذلك؟.
- هل انتهى الأمر هنا.. لا ترك هادي الأمر لجماعة الإخوان في مواجهة الجنوب، وبدلا من البدء في خطوات حقيقية لمعالجة قضايا الجنوب، كانت عجلة التدمير والتخريب تسير على قدم وساق، وكل من كان ينادي بمعالجات في الجنوب المحرر، كان خلفاء هادي، يرفعون شعار "معالجة قضية الجنوب بعد تحرير صنعاء".
- كانت الإمارات العربية المتحدة قد شرعت في بناء محطة كهربائية لعدن وأبين ولحج، إلا ان الاستثمارات التي أنشأت "من صندوق معالجة قضية الجنوب"، كانت عائقا امام ذلك، وأصر نجل هادي وشركاؤه على منع انشاء المحطة والإبقاء على "الطاقة المشتراة"، وكله "لكي لا يشجع استقرار عدن على الانفصال"؛ كما يسميه البعض.
- في الـ27 من ابريل 2017م، والذي صادف ذكرى اعلان الحرب الأولى على الجنوب، اصدر هادي قرارا بإقالة محافظ عدن، بمبرر انه كان يسعى لتشكيل كيان سياسي يدافع عن مستقبل الجنوب، وأتوا بالشيخ عبدالعزيز المفلحي محافظا لعدن، ومع ذلك كانت حكومة بن دغر تعمل منذ أول لحظة لإفشاله، وحين ادرك ذلك قدم استقالته واعتذر من أبناء عدن، وقال كلمته الشهيرة عن حكومة بن دغر "انها تسرق الماء من افواه الناس".
- تحررت عدن في منتصف يوليو 2015م، وحتى الـ27 أبريل الـ4 من مايو 2017م، يوم تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، لم تصرف حكومة هادي الرواتب، بل وكانت تسرق إيرادات عدن، والسارق كما أكد محافظ عدن الأسبق عبدالعزيز المفلحي، حكومة بن دغر التي كانت تصرف على الاعلام المحلي لمحاولة تجميل وجهها القبيح جداً.
- قال الجنوبيون لهادي، أنت مننا وفينا وهؤلاء لن يتركوك تحكم، فقط يستخدموا الشرعية لمحاربة الجنوب، فلم يستجب لهم، وربما انه كرر "شتيمته السابقة للجنوبيين"، بذريعة انه جنوبي أحسن منهم.
- كان بإمكان هادي ان يكون قريبا من الجنوبيين وان يمنحهم الثقة وان يشركهم في القرار السياسي، وان يبني له قاعدة "صلبة" يتكئ عليها في مواجهة الحلفاء الذين جعلوا شرعيته ضعيفة ومهزوزة، وتخسر كل يوم.
- لماذا لم يسأل هادي نفسه، كيف لمأرب ان تصرف الرواتب بانتظام، في حين معسكراته الجيش في الجنوب "دون مرتبات"، ولماذا لم يورد بنك مأرب "أموال ميناء الوديعة الجنوبي"، إلى البنك المركزي في عدن.
- قال الجنوبيون لهادي "نحن جنودك"، اضرب بنا البحر، هؤلاء لا تثق فيهم، وبدلا من ان تتجه الحرب صوب صنعاء لاستعادتها، أتى هادي بالأحمر كالمنقذ للانقلاب الحوثي، وخسر هادي "مدن يمنية محررة"، وخسر الدعم الإقليمي والدولي، بعد ادانته حكومته وبعض المسؤولين بتهمة التحالف مع الإرهاب، بينهم مستشارون بارزون للرئيس.
- ليس تحاملا على الرجل، ولكن ماذا تحقق على الصعيد السياسي في الحرب على الحوثيين، هل اخرج وزير الدفاع محمود الصبيحي، ووكيل جهاز الأمن السياسي والبطل فيصل رجب.
- كانت الإمارات العربية المتحدة، تقود معارك حقيقية على الأرض وتحقق انتصارات نوعية، وكانت على بعد خطوة من استعادة ميناء الحديدة، الا ان حلفاء الرئيس سارعوا الى توقيع اتفاقية ستوكهولم التي شرعنة للحوثيين البقاء في الحديدة، باتفاق لم ينفذ منه أي شيء.
- كانت قوات الجنوب "أحزمة ونخبة"، تخوض معاركة وطنية ضد قوى الإرهاب، فسارع حلفاء الرئيس الى شيطنة هذه القوات، وحاولوا بكل الطرق تفكيكها وحين فشلوا "أعلنوا الحرب"، وتحول جيش مأرب الرابض "خمس سنوات"، إلى جيش شرس يجتاح الجنوب لمحاربة الانفصاليين، وذهب البعض لمؤازرة هذا الجيش "الجرار"، بدعوى انه يدافع عن "اليمن الكبير".
- وبدلا من ان يتجه هذه الجيش "بضعة كيلو مترات" صوب صنعاء، اشترط ان يحتل "عدن أولا"، عشان يحرر صنعاء.
- كان الحوثيون على وشك الإفلاس والهزيمة بفعل انهم لم يعد يمتلكوا أسلحة يقاتلوا بها في الضالع وكرش ومكيراس، فكانت مأرب مع موعد "المدد"، حتى ان فريق المراقبين الدوليين "أكد أن حكومة هادي تمد الحوثيين بالأسلحة المهرة من إيران"، ولم تكتف بذلك، بل سارعت إلى تسليم المدن والمعسكرات والأسلحة للحوثيين، وتركت الشمال كله لإيران واتجهت صوب الجنوب، مصحوبة بهالة إعلامية تتحدث عن اليمن الكبير والدولة الاتحادية بأقاليمها الستة، مع ان أربعة منها في قبضة الحوثيين، باستثناء "شارعين في مأرب وأخر في تعز".
- ست سنوات ماذا قدمت الحكومة اليمنية، هل صرفت الرواتب؟ هل عاجلت الجرحى، هل توقفت عن النهب والسلب؟ لم يستفد منها غير مجموعة قليلة جداً، وكلهم دون استثناء "همهم الأول والأخير التكسب" وان كان ذلك على حساب قوت الملايين من اليمنيين والجنوبيين.
ويكفي...
#صالح_أبوعوذل