أحمد مصطفى يكتب:
أجندة الأخبار
قبل زمن ليس بالبعيد، في مؤسسة إعلامية دولية عريقة وواسعة الانتشار كانت هناك قاعدة غير مكتوبة وغير معلنة رسميا لكن متفق عليها بشبه إجماع في غرفة الأخبار عن الأحداث التي تشكل خبرا وتلك التي ليست بذات أهمية كبيرة.
فمقتل أميركي واحد في أي مكان في العالم خبر رئيسي، ومقتل بضعة أوروبيين كذلك. أما بالنسبة لبقية العالم فمقتل أكثر من عشرة هو ما قد يدفع بالحدث إلى مصاف الأخبار الرئيسية أو المهمة، ويتباين ذلك بين البلدان والمناطق.
فمقتل عشرة أشخاص في بلد من بلدان أميركا اللاتينية المعروفة بأعمال العصابات قد لا يستحق إلا إذا تم ربطه بحدث آخر أو تطور مهم. وفي بلدان مثل الصين والهند، يحتاج الخبر كي يحظى بتغطية إلى مقتل العشرات.
بالطبع هناك استثناءات من المعيار العددي إذا كان الحدث مرتبط بالإرهاب. مع ذلك، هناك ترتيب أهمية للأحداث الإرهابية، فإذا طالت أميركا ومصالحها أولوية، تليها أوروبا، ثم آسيا والشرق الأوسط وفي الأخير أفريقيا.
وتأتي أخبار أفريقيا عامة في الترتيب الأخير عند تحديد أجندة الأخبار في غرف أخبار المنافذ الإعلامية الرئيسية في العالم. ستجد فقط بعض الدول التي استعمرت في القارة السمراء في القرن الماضي، مثل بريطانيا وفرنسا، لديها برامج خاصة عن أفريقيا في منافذها الإعلامية – الخارجية طبعا وليست المحلية.
لم تفرض تطورات الأحداث في أفريقيا نفسها على أجندة الأخبار سوى مطلع القرن الحالي حين استعت عملات القرصنة للسفن التجارية في الممر البحري المهم قرب سواحل الصومال، البلد الذي أفرز انهياره نتيجة التدخل العسكري الأميركي والأوروبي تنظيم الشباب الإرهابي وعصابات القرصنة البحرية.
أما الأحداث الإرهابية السابقة، مثل تفجير السفارة الأميركية في نيروبي مثلا على يد إرهابيي تنظيم القاعدة، فأهميتها لغرف الأخبار تعود للضحايا الأميركيين أو الهجوم على مبنى أميركي أصلا. كذلك تصعد بعض أخبار أفريقية في الترتيب إذا كانت تمس من قريب أو بعيد مصالح أميركية أو أوروبية، مثل العمليات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء وفي غرب أفريقيا عموما في السنوات الأخيرة مع وجود قوة فرنسية لمكافحة الإرهاب هناك.
ولأن مؤسسات الإعلام الغربية الرئيسية، كوكالات الأنباء رويترز والفرنسية وغيرها وأيضا شبكات الأخبار الدولية الرئيسية، هي تقريبا التي تضع أجندة الأخبار وتتلقفها منها وسائل الإعلام في بقية العالم ومنها المنافذ العربية، فستجد أخبار أفريقيا في الأغلب في ذيل الأجندة – هذا إن وجدت أصلا.
ولا تجد أخبار أفريقيا متواترة أكثر الآن إلا ربما في وسائل الإعلام التركية، وخاصة بعد التدخل العسكري في ليبيا. وتركز تلك الأخبار على مهاجمة فرنسا، خاصة قوتها العسكرية في دول الساحل الخمس التي تساعد تلك الدول في مواجهة الجماعات الارهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة وداعش.
هذا في الوقت الذي أصبح النشاط الإرهابي للجماعات المنبثقة من تنظيم الإخوان يتركز في أفريقيا أكثر مما كان عليه الحال في السابق من تركزه في آسيا، من جماعة أبو سياف في الفلبين إلى تنظيم القاعدة في باكستان وافغانستان ثم داعش في العراق وسوريا.
فالمغرب يكشف خلايا إرهابية بوتيرة متسارعة، وتونس تشهد زيادة في العمليات الإرهابية وتنسق مع الجزائر لمواجهة الارهابيين عبر حدودها الغربية. والجزائر قلقة من عودة العمليات الإرهابية بعد الانقلاب العسكري في مالي جنوبا وبسبب تحشيد الإرهابيين الذين تنقلهم تركيا إلى ليبيا.
هذا عن الدول العربية في شمال أفريقيا، لكن تصاعد الإرهاب لا يقتصر عليها ولا حتى على البؤر التقليدية مثل بوكو حرام في نيجيريا والشباب في الصومال. بل إن تلك الجماعات التي استمدت قوة جديدة من الدعم التركي، وغض الطرف الأميركي عن تصاعد نشاطها، تنشط أكثر في مناطق التنجيم عن الذهب والنفط والغاز من بوركينا فاسو وساحل العاج غربا إلى موزمبيق في جنوب الشرق.
ولا عجب أن تجد تلك الجماعات الموالية للقاعدة وداعش، وبالتالي فهي مصونة ومدعومة من رعاة التنظيمين الإرهابيين ومن يتبنون الجذر الأصلي للجميع: تنظيم الإخوان، تنشط أكثر في مواقع بها مصالح فرنسية – من شركات تعدين ونفط وغاز إلى علاقات سياسية وعسكرية مع السلطات المحلية.
لذا تجد الإعلام التركي تحديدا يصور الأمر وكأن حكومة رجب طيب أردوغان تخوض حربا مع فرنسا في أفريقيا، وما ذلك إلا غطاء لتوسيع نطاق الإرهاب أفريقيا على أن تكون ليبيا بؤرته الأساسية.
ربما ليس من الصحيح أن تكون أجندة الأخبار في منافذ الإعلام العربية متجاهلة لأفريقيا حتى لو كانت مضطرة، كمثيلاتها في أنحاء العالم، أن تتبع أجندة الإعلام الغربي. وعلى أجندة الأخبار العربية أن تتبع مصالح أوطانها التي ليست بالضرورة متقاطعة دوما مع أميركا وأوروبا. ولعل أخبار أفريقيا واحدة من اهم نقاط عدم التقاطع تلك، فمعركة الإرهاب معركتنا أساسا.