صالح علي باراس يكتب:
وجهة نظر / هل من ضرورة لقراءة ارث اكتوبر المتصل؟ (5)
من يقرا الماضي بطريقة خاطئة سوف يرى الحاضر والمستقبل بطريقة خاطئة
عبدالرحمن منيف
لايهم العالم ان دولة 14 اكتوبر وحزبها درّست ابناء الفلاحين والبدو الرحل وحققت مجانية في الصحة والتعليم وكان قانونها قويا في التطبيق فذاك من مهام اي دولة حتى لو كانت تديرها اللصوصية والمافيا
وفي المقابل لا يهم العالم ايضا ان دولة 14 اكتوبر وحزبها سحلت وجاهات مجتمعية ودينية ومنعت الاحزاب وقتلت المعارضة من خارجها فانتقلت الى داخلها فتقاتلت تياراتها ولا يهم العالم انها اممت ممتلكات مواطنين وتملكت قياداتها بيوت غيرهم .
ولا يهم العالم ان شعبها تقبّل ذلك وتصالح وتسامح معه
كل ذلك لايهم العالم بل يهمه
كيف سنكون لو اقمنا في بلادنا دولة مابعد الاحتلال اليمني ؟ هل سنؤسس دولة جديدة ام سنستنسخ الماضي ؟
ان الدول مهما عظمت كقبائل بمؤسسات ثارية ، فعندما قتلت المخابرات الامريكية " تشي غيفارا" قطعوا ذراعيه ووضعوهما في محلول ظل محفوظا في مكتب مدير "السي اي ايه" عشرين عاما حتى بادلهما كاستروا بصفقة عملاء.
و"قرار 10اكتوبر 1969م بقطع دولة 14اكتوبر علاقاتها مع امريكا مَسَحَها من الخارطة وتلاحق تبعاتها الجنوبيون حتى الان" ...
هل فهمنا ذلك ام لا ؟ وجددنا خطاب الحاضر لندخل للمستقبل ام اننا مغرمين بذلك الخطاب السياسي والاعلامي الذي نعتقد ان استعادته توصلنا للمستقبل ..
طالما لم نخاطب العالم بمصطلحات قانونية معلومة فلن يفهم من خطابنا الا تلك الدولة التي عادت امريكا والغرب وجوارها وكانت في الكميكون وعضو مراقب في حلف وارسو
ذكر لي زميل انه بعد هزيمة 94م استقبلهم العمانيون على الحدود ووضعوهم في مكان اسمه "حفرة جهنم" مرتفع الحرارة ووضعوا مكبرات الصوت فوق رؤوسهم تردد اناشيد تحرير عمان التي كانت تتردد من اذاعة دولة 14 اكتوبر !!!
اعتصامات العسكريين والامنيين امام قيادة التحالف من تداعيات تلك الحقبة وقرارتها الهوجاء التي لم تضع بلدنا في حجمنا الحقيقي انما وضعتها ندا لامريكا وطرفا معاديا لها في الحرب ولذا علينا ان نعي ان جيش تلك المرحلة لن يُسمح له بالعودة مهما كانت الحجج لانه من أرث تلك المرحلة والمطالبة بعودته تضع القوى الدولية التي هزمته عام 94م لا تثق بحراكنا وقضيتنا ولا مجلسنا الانتقالي ولا كل مكونات الاستعادة وباننا سنكون شركاء يثق بنا العالم وهو درس يجب ان نستوعبه ونضع حلولا واقعية ليس للعسكريين والامنيين فقط بل لخطابنا فالعالم-اقصد به القوى التي تتحرك في ساحتنا ومرتبطة بالقوى الدولية الجاسرة - لن يمنعك ان تعبر بما تشاء وتتظاهر بما تشاء لكنه لن يَسمَح لاي ماضي من اطراف الحرب الباردة ان يُبعث في منطقة استراتيجية مهمة بالنسبة له في ظل احلاف ومشاريع طريق الحرير ومحاولات بعث المجد الروسي ورغبة ايران ان تكون قوة اقليمية دولية
فهمنا هذه الحقيقة ام لم نفهمها، واذا لم نفهمها سنظل تحت الوصاية والادرة بالاستعمار حتى لو وعيناها بعد فوات الاوان !!
هنالك مجالان يجب ان يتم اختيار المهنية والكفاءة والقدرة لهما بدون محسوبية ولا ترضيات ولا توصيات ولا قرابات هما *الاعلام والدبلوماسية فالاعلام لسان القضية والدبلوماسية وجهها* ويجب ان يعكسا القضية بكل ابعادها وبلورة وثائق الانتقالي ورؤيته في الخطاب الاعلامي بكل حرفية وغير المؤهل يجب ازاحته فالخطاب الاعلامي يحتاج تصويب مصطلحات واختيار عناوين واسلوب عرض وبامكانه ان يستوعب تجربة صحيفة "الايام "التي صارت في مرحلة طغيان الاحتلال اليمني حصنا للجنوبيين واستوعبتهم بكل طيفهم لكننا امام اعلام يذكرنا بصحيفة الثوري والبرامج الثورية الساخنة من قناة عدن فلا يفهم المتلقي هل هو امام عدم مهنية وحرفية جعلت اعلام الانتقالي كحاطب ليل او انه اختراق منظم ركبه لفرض وتمجيد القديم؟
فقناة "عدن المستقلة" كمثال وهي محسوبة على الانتقالي عرضت في احد برامجها ما حدث في السبعينات من بلاء وكأنه إنجاز عظيم وانه الزمن الجميل للجنوب العربي او الجنوب.... كما يحلو لهم تسميته !!
هل هذا هو الانتقالي القادم للجنوب ؟ هذا تزييف يدفعنا للتوضيح او يتوقف الترويج ونتجه جميعا لبناء مستقبل جديد بخطاب من وثائق الانتقالي ومن معاناة الناس اما الخطاب الاعلامي بشكله الراهن فيستغل التصالح والتسامح ووسائل تعبير الانتقالي عكسيا ، فمازال مسكونا بتلك التجربة ويقوم بالترويج لها وبامجادها وبطولاتها بكل الوسائل وعبر اي منبر وكأنه يرسخ عداءه لكل من عاداهم وشردهم وسحلهم وصادر ممتلكاتهم.
واذا كانوا مصرين على ترويج عناوين ذلك الزمن الجميل!! فليفتحوا مجال لتغطية عناوين الوجه الآخر من التجربة للتتوازن الرؤية ولا يقولوا : ليس وقته الان .
هل نعي خطورة ذلك فالخطاب لا يخاطب انصاره بل شعب تعتمل فيه مشاريع لها انصارها وثاراتها ومليشياتها !! ؟ ويخاطب جوار واقليم وعالم سيقول كما قال العربي "البعرة تدل على البعير "!!
ألا توجد عناوين جديرة بالترويج والتغطية الا توجد حرب خدمات وعشوائيات ونهب يجب ان يغطيه اعلامنا ويكشف القائمون به مهما كانوا
كل الدول التي انهزمت في الحرب الباردة اعادت تاهيل خطابها على قطيعة من تلك المرحلة و *جيدش* من تلك الدول التي انهزمت ، وكل نخب تلك الدول حتى خطاب الاحزاب التي مازالت شيوعية جعلت ماضيها جزءا من التاريخ مكانه المتاحف او مراكز البحوث وجددت خطابها وقياداتها بمفردات وعناوين عصرها ومشاكل مجتمعاتها الا عندنا .
يكفينا شعبوية وتحشيدها فالشعبوية لن تاتي باستقلالنا ، نحن بحاجة الى لواصق لمشروعنا ففي عام 67م كان الجيش والامن والعملة والمؤسسات والحدود ...الخ ماذا نملك الان!!؟
كلها بيد الغير الا من الوية فرضوا عليها الحصار وهي على التماس اغلبها في شقرة
النخب الحية هي التي تستوعب هزيمتها وتبحث عن احياء دولها باسلوب جديد وخطاب سياسي واعلامي ووطني جديد فالمانيا بعد هزيمة الرايخ الثالت لم تمجده بل ادانته وانتجت خطابها وقياداتها على قطيعة معه وحققت ذاتها وكذا اليابان وايطاليا .
لانطالب بادانة تجربة تلك المرحلة ولا استبعاد مخرجاتها بل تصالحنا وتسامحنا معها لانه من الضرورة مشاركتها للدخول للمستقبل فالمثل عندنا يقول "اسمروا ياهل مقبله اربعه باربعه قالوا : قدنا اربعه " لن تحتمل بلادنا مزيدا من الثارات لكن على نخبها ان تدع تمجيد ماضيها بخيره وشره فالتمجيد لذلك كما قال العربي "ذو شجون" فلن ندخل المستقبل باجترار الماضي والتغني والتهديد به بل بانتاج خطاب وادوات ومفردات تطمئن وتثق بها الاطراف المحلية وكذا الاطراف الدولية والاقليمية التي ناصبتها تلك التجربة العداء والتي موجودة الأن فينا تلعب بكل اريحية في ساحتنا السياسية والعسكرية والامنية والاغاثية ، خطاب يؤكد باننا جديرون في الجنوب العربي ان نتعايش مع عصرنا برؤية واليات وشخصيات وتحالفات جديدة بل الواجب ان يستوعب الخطاب تلك القوى المحلية التي عادها وظلمها ويبلسم جروحها باحترام شخوصها وانهم شركاء للمستقبل فحرمانها ومنعها والتضييق عليها ومحاصرتها بخطابه -لانها لاتملك امكانياته- يعني ان تبحث عن بدائل ستكون اكثر ضررا على مشروع استقلالنا . فلا يكفي ان نحذر من خطر التمكين الاخواني وخطر الارهاب ليقبلنا العالم والجوار فالعالم لن يقبل التمكين الاشتراكي وان غرد انه مدني ، والتمكين الاشتراكي ليس ايديوجيا فقط فالاشتراكية انتهت لكنه اطار حركي من رموز وتحالفات وعقليات قادتنا للفشل ولن تقودنا بمفردها لنجاح اطلاقا
فهل نعي ام مازلنا في الغي سادرون ؟