توماس فريدمان يكتب:

عالم ما بعد الجائحة.. ثورة في التعليم والعمل

ألقى الله علينا جائحة بالتزامن مع تحول تكتوني في طريقتنا في التعليم والعمل والتوظيف، لنستعد جميعاً: فعندما نخرج من أزمة كورونا هذه، سنشهد واحدة من أعمق فترات التدمير الإبداعي على الإطلاق وفقاً لنظرية "شومبيتر" (عالم أمريكي في الاقتصاد اشتهر بالترويج لنظرية الفوضى الخلاقة)، التي يسرعها هذا الوباء ويخفيها في نفس الوقت.

لن تكون هناك وظيفة ولا مدرسة من رياض الأطفال إلى الصف الـ12 ولا جامعة ولا مصنع ولا مكتب بمنأى عن ذلك، وستؤثر على العمال ذوي الياقات البيضاء والزرقاء على حد السواء، وهذا هو السبب في أن هذه الانتخابات تهم كثيراً، كيف نزود المزيد من الأمريكيين برعاية صحية، ومعاشات تقاعدية قابلة للنقل، وفرص للتعلم مدى الحياة لتحقيق أقصى استفادة من هذه اللحظة وتخفيف الأسوأ، هو ما يجب أن تكون عليه السياسة بعد 3 نوفمبر (تشرين الثاني)، أو أننا نتجه حقاً إلى عدم الاستقرار.

السبب في أن حقبة ما بعد الجائحة ستكون "مدمرة جداً ومبدعة"، هو أنه لم يكن هناك مثل هذا العدد من الناس الذين يمكنهم الوصول إلى العديد من أدوات الابتكار الرخيصة، ولم يكن هناك المزيد من الأشخاص الذين لديهم إمكانية الوصول إلى حوسبة عالية الطاقة وغير مكلفة، ولم يتمكن المزيد من الأشخاص من الوصول إلى مثل هذا الائتمان الرخيص -المال المجاني تقريباً -لابتكار منتجات وخدمات جديدة، ناهيك عن هذا العدد الكبير من المشكلات الصحية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية التي تحتاج إلى حل.

ستلاحظ ظهور بعض الأشياء المذهلة، واختفاء بعض المؤسسات الراسخة، مثل الجامعات، وتغيير طبيعة العمل وأماكن العمل والقوى العاملة.

لقد كنت أناقش هذه اللحظة مع رئيس شركة الخدمات التقنية الهندية "انفوسيز" رافي كومار، ومقرها في بنغالور، نظراً لأن "انفوسيز" تساعد الشركات على الاستعداد لعالم رقمي، فقد وجدت دائماً أنه مصدر رؤية رائعة حول اتجاهات التوظيف والتعليم العالمية، في عام 2004، كان العمل الرئيسي لشركة "انفوسيز" هو القيام بعمل تقوم الشركات الأمريكية بتعهيده إلى الهند، يعمل كوماراليوم من مدينة نيويورك، حيث يوفر آلاف الوظائف في أمريكا، كيف يمكن أن يحدث ذلك؟
أوضح كومار أن الأمر يبدأ بحقيقة أن الثورة الصناعية أنتجت عالماً، كان فيه تمييز حاد بين أرباب العمل والموظفين، وبين المعلمين وأرباب العمل، وبين الحكومات وأرباب العمل والمعلمين.

نظراً لأن وتيرة التغيير التكنولوجي والرقمنة والعولمة مستمرة في التسارع، يحدث أمران في وقت واحد: بات العالم متماسكاً أكثر من أي وقت مضى -بالتأكيد، تباطأت عولمة السلع والناس بسبب الوباء والسياسة، ولكن عولمة الخدمات ارتفعت- و"يتقلص متوسط عمر المهارات بشكل مطرد"، كما قال كومار، مما يعني أن أي مهارة تمتلكها اليوم تصبح عتيقة بشكل أسرع وأسرع.

يمكن لأطفالك أن يتوقعوا تغيير الوظائف والمهن عدة مرات في حياتهم، مما يعني أن مسار حياتهم المهنية لن يتبع مساراً بسيطاً من "التعلم إلى العمل"، كما تقول هيذر إي ماكغوان، المشاركة في تأليف كتاب مواءمة المزايا، ولكنه بالأحرى سيكون مسار "العمل -التعلم -العمل -التعلم -العمل -التعلم"، وقالت ماكغوان: "التعلم هو المعاش التقاعدي الجديد، إنه الطريقة التي تنشئ بها قيمتك المستقبلية كل يوم"، لذلك، سيكون الدور الأكثر أهمية لمعلمي رياض الأطفال حتى نهاية التعليم الثانوي هو تزويد الشباب بالفضول والحماس للتعلم مدى الحياة، من الواضح أن الجميع ما زالوا بحاجة إلى أساسيات قوية في القراءة والكتابة والرياضيات، ولكن في عالم ستتغير فيه الوظائف والمهن عدة مرات، سيكون الدافع الذاتي لتكون متعلماً مدى الحياة أمراً بالغ الأهمية.

بالتوازي مع ذلك، أوضح كومار، أن التسارع في الرقمنة والعولمة يؤدي بشكل مطرد إلى زيادة العمل "الجزيئي"، أي يكون مقسماً إلى حزم صغيرة توزعها الشركات، وهو يجادل بأن الشركات ستصبح على نحو متزايد منصات، تقوم بتوليف وتنسيق هذه الحزم المعيارية لصنع المنتجات والخدمات.

وأضاف كومار أنه في هذه العملية، "سيتم فصل العمل بشكل متزايد عن الشركات، وستنفصل الوظائف والعمل بشكل متزايد عن بعضها البعض"، سيتم تنفيذ بعض الأعمال بوساطة الآلات؛ سيتطلب بعضها قربك المادي في مكتب أو مصنع؛ سيتم عمل البعض عن بعد؛ وبعضها سيكون مجرد جزء من مهمة يمكن تخصيصه لأي شخص في أي مكان.

مع تحول المزيد من العمل ليصبح مقسماً إلى أجزاء، ورقمي، ومنفصل عن المكتب أو المصنع، سيتمكن المزيد من المجموعات المتنوعة من الناس –هؤلاء الذين يعيشون في المناطق الريفية، والأقليات والآباء وذوي الإعاقة – من التنافس على العمل من منازلهم.

وقال كومار إن هذا بالفعل له تأثير كبير على التعليم، وأضاف: "لقد بدأنا بالفعل في توظيف العديد من الأشخاص من دون شهادات، إذا كنت على دراية ببعض الأمور ويمكن أن تثبت أنك قد صقلت مهاراتك، من خلال التدريب عبر الإنترنت للقيام بالمهمة التي نحتاجها، فقد تم تعيينك، نعتقد أن هذا التحول الهيكلي -من الشهادات إلى المهارات -يمكن أن يسد الفجوة الرقمية، حيث زادت تكلفة التعليم الجامعي بنسبة 150% على مدار العشرين عاماً الماضية".

لا تزال "انفوسيز" توظف الكثير من المهندسين، لكن كومار اليوم لا يبحث فقط عن "من يحل المشكلات"، كما يقول، ولكن الباحثين عن المشكلات، الأشخاص الذين لديهم اهتمامات متنوعة -الفن والأدب والعلوم والأنثروبولوجيا -الذين يمكنهم تحديد الأشياء التي يريدها الناس، قبل أن يعرف الناس أنهم يريدونها.