فاروق يوسف يكتب:
جريمة القيروان المنسية وقد تجسدت في نيس
نحزن لأن شابا بعمر الحادية والعشرين قد قتل بشرا لا يعرفهم ولا يملك أسبابا شخصية لقتلهم. ونحزن أكثر لأن ذلك الشاب قد وُضع على طريق لا يمكنها سوى أن تقود إلى القتل.
إنه أشبه بالآلة التي جرى ضبطها على إيقاع معين. فقد ذلك الشاب مشاعره الشخصية وحريته في أن يرى الأشياء بعينيه وأن يفكر في ما ينفعه ويضره.
خرج صباحا ليقتل. فعل عبثي لا يقوم به مَن جاء إلى فرنسا ليعيش بكرامة مثله مثل الالاف من أبناء وطنه.
هل جاء إلى فرنسا منذ أقل من شهر ليموت؟ أشك في ذلك. فلو كان راغبا في الانتحار لفعلها في القيروان. في بلدته الصغيرة التابعة للقيروان بتونس.
يقول "قتلت من تلقاء نفسي" تلك كذبة عقائدية تعلمها بحماسة الشاب الذي لم يكن يرى الحقيقة أو لم يكن قادرا على رؤيتها بسبب الحجب التي وضعت أمام عينيه وجعلته أشبه بالأعمى ولكنه أعمى بصيرة أيضا.
حين يهدأ سيقول شيئا آخر. ولكنه ارتكب جريمته وتحول من إنسان سوي إلى مجرم ليست جريمته عادية. لقد روع المجتمع كله باعتباره ارهابيا. بمعنى أنه قتل ليرهب المجتمع، فهو عدو المجتمع.
هل كان يحلم بأن يكون كذلك؟
ابراهيم، ذلك هو اسمه، مريض. مرضه نفسي يتعلق بعلاقته بالعقيدة التي يؤمن بها وهي عقيدة ليست عامة كما يُشاع فلا علاقة لها بالإسلام، الدين الذي يؤمن به أكثر من مليار ومئتي مليون من سكان الكرة الأرضية.
لقد ضُلل إبراهيم بعقيدة أخرى تبيح قتل بشر أبرياء.
سيعترف إيراهيم حين يكتشف أن هناك عدالة على الأرض وسيبكي.
لو أنه وقف أمام قطار مسرع، لو أنه القى بنفسه من أعلى جبل، لو أنه ربط جسده بصخرة وغاص في البحر لكان في وضع أفضل من الوضع الذي سيكون عليه يوم يفتح عينيه على الحقيقة. سيرى يومها أن الأبرياء الذين قتلهم لم يكونوا أعداءه ولم يكن المجتمع الذي روعه عدوا له بل أنه لو مُنح تأشيرة الإقامة لضحكت الدنيا له ولما وجد نفسه في نفق مظلم.
لا بأس سيُقال أنني أريد أن أضعه في موقع الضحية وأتركه هناك.
لا أرغب في أن استعمل "لو" التمني كثيرا فهي لا تنفع في مواجهة حقيقة انهيار النظام الاقتصادي الوطني. ليس خافيا على أحد أن هناك ملايين ناقمة من الشباب العربي تبحث عن طريقة لعبور المتوسط إلى الضفة الأخرى. ولكن بمَ يحلم ابن بلدة تابعة للقيروان؟
يحلم بالعمل فلا يجده فتستلمه التنظيمات المتشددة، لتزيده يأسا ولكنها في الوقت نفسه تفتح أمامه أبواب عالم أفضل من عالمه المتهالك. عالم لا ينفصه شيء من الملذات. سيتم تجنيده بل سيقوم بقبض مبالغ صغيرة هي عبارة عن هدايا من التنظيم الفقير الذي يسعى إلى تطبيق شريعة الله على الأرض. وهكذا أغمي على الشاب الذي لم يبلغ بعد سن الرشد.
ذلك ما تفعله جماعة الإخوان المسلمين وكل التنظيمات التي تفرعت عنها.
لم يكن إبراهيم ضحية بل هو ابن مجتمع ضحية.
لقد وجد ذلك المجتمع نفسه محصورا بين دولة لا تعامله بمسؤولية ولا يخيفها أن ترفع يدها علنا عن خدمته، وتنظيمات خارجة على القانون غير أنها تدعو إلى العدالة السماوية وتوزع الأموال بطريقة خفية.
ذهبت الشرطة التونسية إلى عائلة إيراهيم. الخبر يتوقف عند تلك النقطة. ليس مهما ما قالته أو ما ستقوله تلك العائلة المنكوبة بابنها ولكن الحقيقة تؤكد أن هناك شبابا يشبهون إبراهيم قد وقعوا في فخ التنظيمات الارهابية ولن تقول عوائلهم عنهم شيئا، ذلك لأنها يائسة من انقاذهم لأنها يائسة مثلهم.
المشكلة أكبر من إبراهيم. فإذا كان المجتمع الفرنسي قد صُدم بمقتل ثلاثة من الأبرياء، فإن المجتمع التونسي مهدد بخسارة المئات من أبنائه بسبب سطوة التنظيمات الارهابية التي سرقت عقولهم.