حميد طولست يكتب لـ(اليوم الثامن):
ليس العنف باسم الدين مجردَ فعل طارئ !
توطئة: من المسلمات البسيطة أن الصراع البشري لم يكن في زمن من الأزمان صراعا من أجل نشر الدين ، وإنما كان تنافسا من خلاله للهيمنة على سيادة الأمم وخيراتها، وكم هو مؤلم جدا ومحزن كثيرا أن نتصفح ما أنتجته الصراعات التي ظاهرها ديني وباطنها المكر والاحتيال السياسي ،من خير لأممهم على مدى قرون، فلا نجد غير الخراب والدمار والفضائح المناقظة لما جاء به أنبياء الله ورسله من أخلاق وقيم تنفع في البناء والتقدم والإرتقاء .
ومما يؤسف له حقاً أن يستمر هذا النوع من الصراع الذي قاده رجال الدين وشيوخه ودعاته وفقهائه خلال الأزمان الغابرة المهووسة بفكرة "نحن وهم" بكل ما تحمل من العدائيات غير المبررة إتجاه الآخر، وكل مفهومياتها السائدة في موروثات مدارس النقل والتقليد ومذاهب السلفية المتشددة التي كانت وراء جل ما عرفه مؤخرا عالم في القرن الواحد والعشرين ، من أحداث الصراعات غير عادية ولا بريئة ،التي أثرت في النفوس البسيطة، وأصابت الأرواح المسالمة باليأس، وأوقعت غالبيتها في فخّ الانسياق وراء الديماغوجية الدينية القائمة على تصنيف الناس على أساس ديني ،مسلم او كافر ، وتقيم أمورهم بميزان واحد ، عدو أو صديق ، وإيهام المتدينين بأن هناك مؤامرة تحاك ضد دينهم ونبيهم - الذي له رب يحميه- وأن الكون كله يريد ان يفتنهم عن دينهم ، لتشيع الفاحشه بينهم ، ويتفشي الشذوذ والرذيلة في أوساطهم ، وغير ذلك من الأفكار غير المنطقية واللاعقلانية التي ترسخت في العقل المسلم ، وحرضت العديد من المسلمين على الانقلاب على رصيدهم من الأدب واللباقة والإحترام ، ودفعت بالكثيرين منهم للتمرد على ما إتصفوا به من عقل وتعقل واتزان ، وتلبية دعوات الخروج للدود عن حمى الإسلام وحماية نبي الله صلى الله عليه وسلم ، الدعوة التي جند الإسلام السياسي كل إمكانياته الإعلامية وتنظيماته الدينية والحزبية لإيهام البسطاء بأنها من أجل الدفاع عن مصالح المسلمين وحرياتهم السياسية والدينية التي هي في خطر ، بينما حقيقته الأمر ليست إلا مبررات مزيفة لجلب الدعم للمشروع التوسعي الإردوغاني ، والانخراط –دون وعي منهم-في حرب تجارية بالوكالة عنه ضد فرنسا بصفة عامة ، لمواقفها المناهضة للسياسة التوسعية لتركيا ، وللانتقام من ماكرون على وجه الخصوص، الذي يشكل حجرة عثرة أمام أحلام استرجاع اردغان لأمجاد الإمبراطورية العثمانية .
لذا وجب ألا تثني ، لا الهجمة "الماكرونية" على التطرف الإسلامي ، ولا استغلال الإسلام السياسي الأردغاني لتصريحات ماكرون– التي لا تتعلق بالحرب على الإسلام كما يروج الإسلامويون لذلك وإنما هي حرب ضد تفشي عقائد التكفير وثقافة الكراهية في صفوف الجالية المسلمة بفرنسا- أي غيور على دينه ووطنه عن التنبه للمغزى الحقيقي والمباشر لحملة الرئيس التركي على نظيره الفرنسي غير المسبوقة في العرف الدبلوماسي، والتفطن إلى أنها ليست إلا لعبة سياسية قديمة جدد استعمالها اردغان لتعزيز شعبيته في الداخل وتوسيع رقعة نفوذه في الخارج ، والتي انخرط فيها –مع الأسف- من ألبسوا الطمع رداء الطموح والمشروعية باسم المقدس من إسلاميي المغرب الذين لم تكفيهم حماسة عمليات الشحن الأيديولوجي الممنهج والتهيئة لمقاطعة المنتجات الفرنسية ، فعززوها بالدعوة إلى استبدالها بالمنتوجات التركية ، إنقاذا للاقتصاد التركي المهدد بالانهيار ، وكأن الاقتصاد المغربي "مطفرو" ، أو أن الصناعة الوطنية لا تنتج ما يلبي حاجة المواطنين المغاربة.
وهذا لا يعني أني ضد الدفاع عن القضايا العادلة، وأرفض مواجهة أي نوع من الميز العنصري الديني أو العرقي أو المذهبي، بالشجب والتنديد والمجابهة والإنتقاد والفضح ، وخاصة إذا تعلق بدني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم ، لكني ضد التزييف والتجييش الديني، والتفنُن في إثارة الفتن والفوضى المرتكز على النعرات التي تحركها مؤامرة تفتيت الشرق الأوسط، وادعوا إلى تحري الحقيقة في الدفاع عن القضايا العادلة ، وعدم الثقة في القنوات والتنظيمات التي أشعلت الحروب في كل مكان من اجل مصالها السياسوية المغلفة بالدين السياسي، والتي عرابها النخب المصابة بأمراض سلوكية مروعة، أبرزها التضخم المرعب للأنا، والنرجسية الفادحة، والتعالي والجبروت المبني على خزعبلات وسخافات الخيالات السرابية المستحضرة من أوهام "الخلافة" الوهمية، المدثرة بالوعظية الحربائية المبطنة للرغبات الإستحواذية الفادحة على الكراسي.