حميد طولست يكتب لـ(اليوم الثامن):
التطبيع بين السرية والعلن !
إذا كان التطبيع العلني والرسمي بين الدول العربية واسرائيل رذيء اخلاقيا واجتماعيا وسياسيا ، وكان مثيله السري متقدما عليه في الرذاءة الاخلاقية والاجتماعية والسياسية عشرات المحطات ، فإن الأشد منهما رذاءة وندالة ، والتي يعد أكبر وأجطر مآمرة على فلسطين وقضيتها ، هو إختزال مسألة التطيع في"الهضرة" الفارغة والنقاشات و"المبزنطة" –إن صح هذا التعبير- والتساؤلات الملغومة حول أيهما الأخطر على مصير الفسطينيين ، أهو التطبيع الذي يتم فيه التعاون الاقتصادي والأمني السري غير الرسمي بين اسرائيل والدول والأنظمة التي حتمت عليها الظروف الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية الوقوف في صف الفلسطينيين قولا أو بالدعم المالي ، ارضاءا للمواقف المبدأية لشعوبها ، أم هو ذاك التطبيع السياسي الرسمي العلني ، الذي أقدمت عليه بجرأة وشفافية كل من دولة الإمارات ومملكة البحرين ، والذين تسير على خطاهما كل من السودان طمعا في التخلض مما الصق بها من تهمة "الارهاب" المسيئة لسمعتها ، وبعدها لبنان ،التي اختارت تطبيعا ناعما ترسيم من خلاله حدودها مع إسرائيل على قاعدة اتفاق سايكس بيكو لعام 1916 ، المطيحة بخطوط هدنة عام1949 ، والملغية للآءات الثلاثة التي أطلقها العرب سنة 1967 في الخرطوم -والتي انفرط عقدها برحيل صاحبها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر..
فليس التطبيع بين إسرائيل والدول عربية بالأمر الجديدة ،كما يعتقد البعض خطأ، لأنه قائم منذ اتفاقية "رودس" الموقعة في 1949 ، قبل التحاق غيرها من الدول بركبها بعد ان أعياها التستر على فعل شرعي يرى الكثير من المحللين أن خطورته لا تقع أساسا على القضية الفلسطينية ، بقدرما تقع على المستفيدين من دوام الصراع الفلسطيني الإسرائلية واستمرايته ، والذي أصبح من السهل على أى ملاحظ حصيف أن يتبين أنه -التطبيع- لا يغيظ إلا فصائل الاسلام السياسي الإخواني والسلفي والقومي ، التي لم يعد بمقدورها –في ظل موقف صمت الشعوب العربية ، الذي يبدو أنه تأييد ضمني له – استغلال القضية الفلسطينية التي طالما استخدمت بشكل قذر ومشين لاثبات مشروعية وجود الك الفصائل ، وتحقيق أهدافها وغاياتها ومصالحها السياسوية الممهورة بتوقيع الله والرسل والأنبياء والملائكة ورجال الدين ، كما هو حال تركيا التي دأبت على استغلالها للقضية الفلسطينية بكل الطرق ، وهي مستعدة للمقايضة بها في أول سوق للنخاسة مقابل بسط سيطرتها على بعض دول منطقة الشرق أوسطية، والتحكم فيها سياسياً واقتصادياً وثقافياً ، الغاية التي لم ولن تتوانى في استعمال كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة ، لتصدير جميع أنواع الاضطرابات والمتاعب إلى الجبهات الداخلية لتلك البلادان ، لتحقيقها وضمان دوامها، من خلال عملائها من الجماعات الظلامية الذين ولا يهمهم إلا أن يكون المقابل أوفر وبالدولار.
فهل ستدفع عدوى التطبيع العلني التي أصابت الدول العربية ، إلى توحيد الصف الفلسطيني ، وتقوية روابط التماسك الاجتماعي ، والقضاء على الصراعات والتناقضات العرقية والثقافية والاجتماعية والسياسية والعقائدية السائدة بين الفصائل والمنظمات الفلسطينية -الفتحاوية والحماسوية - المتصراعة على الحكم والمغانم ، وتحفزها لمواجهة مؤامرة تصفية قضيتهم الفلسطينية ، وانقادها من الخطر الداهم الأشد عليها من عمليات التطبيع غير المفاجئة والمتوقع -التي أسست لها اسرائيل من خلال عملية السلام التي بدأتها في عام 1993 - والمتمثل في العدو الفارسي المتصارع مع الكيان الصهيوني على اقتسام مناطق النفوذ بالمنطقة العربية برعاية أمريكا المتشبتة وحلفائها بصفقتها التصفوية لشعب فلسطين وقضيته اعتمادا على لاءات ترومب العشرة المرتكزة على : لا للانسحاب الكامل إلى حدود 1967 ، لا لتقسيم القدس ، لا لسيادة عربية كاملة على المسجد الأقصى ، لا لدولة فلسطينية ذات استقلال كامل ، لا لإيقاف عمليات الاستيطان أو تفكيك المستوطنات ، لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين ، لا لتحالف إستراتيجي عربي يضم بعض أو كل دول المواجهة والعمق العربي ، لا لامتلاك أي دولة عربية لبرنامج نووي ، لا لأي خلل في الميزان العسكري القائم حالياً بين العرب والكيان العبري ، لا لحرمان الدولة العبرية من مطالبها المائية في الأنهار العربية ،
وغير ذلك من المطالب التي يستمر معها صراع المصالح الذاتية المتأثر حجمها بحجم أهداف المتنافسين ، والتي كلّما كانت كبيرة كان الصراع أكبر والخطر أعظم على القضية الفلسطينية التي يبقى دوي نقاشات المولول من على منابر المؤسسات والهيئات والجمعيات التي لايهمها منهو الضحية ولا من هو الجلاد ، بقدر ما يهمها اغتصاب حق الغير..