فاروق يوسف يكتب:

الشهداء إلى المتحف والنازحون إلى الموت

قراران اتخذهما رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في يوم واحد يثيران علامات الدهشة والاستفهام والحيرة.

تحويل بناية ما يُسمى بالمطعم التركي التي تقع وسط العاصمة العراقية بغداد إلى متحف يؤرخ لإنتفاضة تشرين 2019 الشبابية هو القرار الأول أما القرار الثاني فهو اغلاق مخيمات اللجوء التي تأوي نازحي الموصل.

قراران هما على درجة عالية من السطحية وعدم تقدير النتائج.

فتحويل بناية المطعم التركي إلى متحف هو قرار ينطوي على قدر عال من السخرية من الانتفاضة والضحك على المحتجين الشباب اما طرد اللاجئين من خيامهم فإنه يعد بمثابة قرار اعدام بحق أكثر من مئة الف إنسان.

السخرية مقابل المأساة في نهار واحد.

يكشف رئيس الوزراء العراقي من خلال كذبة المطعم التركي عن استخفافه بالمحتجين الذين خرجوا من أجل التغيير من خلال اسقاط النظام السياسي القائم على مبدأ المحاصصة ومن أجل ارضائهم تمت ترقية الكاظمي من منصب رئيس المخابرات إلى منصب رئيس الوزراء لا لشيء إلا لكونه لا ينتمي إلى الأحزاب المشاركة في العملية السياسية الفاشلة.

كان المحتجون يأملون في أن يقف الكاظمي إلى جانبهم لا أن يصنع منهم موضوعا للفرجة. ما الذي سيفعله الشهداء في ذلك المبنى المهجور الذي سبق لخطواتهم أن قامت بقياس مساحته مرات عديدة؟ يومها كانت النوافذ مفتوحة غير أن متحف الكاظمي سيكون بأبواب تغلق في أوقات محددة ويكون على الحراس مراقبة الزوار.

سيضحك الشهداء لأن الكاظمي لن يقبض إلا على صورهم.

اما المنتفضون فبعد أن نقل إليهم الكاظمي تهديدات الميليشيات واستجابوا لوعوده الهوائية وغادروا ساحة التحرير ومن ضمنها مبنى المطعم التركي فاجأهم بفكرته التي يمكن أن تضعه بين بناة عصر النهضة الأوروبي. سيقيم متحفا لما هو زائل. تلك هي الحقيقة. فليست الانتفاضة هي الأصل. الأصل هو التغيير. فأين هو التغيير؟    

لنترك التغيير فالرجل أظهر عجزه أمام الأحزاب والميليشيات بعد أن صار قريبا من لحظة افلاس الدولة. أين هم ناشطو الاحتجاجات الأساسيون؟

كان الكاظمي كما أتوقع وسيطا بين الميليشيات والمحتجين حين خيرهم بين أن يعلنوا عن هزيمتهم بصمت أو القتل العلني الصاخب. وكان الرجل صريحا، كونه ناقل رسالة وهذا ما فهمه المحتجون بعد أن عجزت الحكومة عن إطلاق المختطفين من شباب الانتفاضة بالرغم من أنها تعرف الجهة التي اختطفتهم.

حين عاد المحتجون إلى بيوتهم فهم الكاظمي اللعبة وقرر أن يمعن فيها ويقيم متحفا. هي فكرة ليس إلا. قالها ومضى. لن ينفذها أحد غير أنها تعبر عن طريقة الرجل في التفكير التي نتج عنها قراره المأساوي بتهجير النازحين.

إلى أين تذهب هذه الالوف من العوائل. أطفالا ونساء ومسنين الذين صار المخيم وطنهم. إن عادوا إلى الموصل لن يجدوا بيوتهم فقد هدمت بل محيت. ولكن الأخطر من ذلك ما يمكن أن يوجهه لهم الحشد الشعبي من تهمة الانتماء إلى داعش. بمعنى أن الكاظمي وقع قرار اعدامهم. لقد رأيت امرأة في احدى القنوات الفضائية وهي تقول "المخيم هو وطننا فلماذا تصرون على أن ننزح مرة ثانية؟" شيء مؤلم أن يكون المخيم وطنا داخل الوطن.

لا يكفي أن يكونوا عراقيين لكي يكونوا أبرياء.

لم يفكر رئيس الوزراء بما يمكن أن ينتج عن قراره من مآس. فالميليشيات تنتظر خروج النازحين من المخيم لتبيدهم. هل يملك الكاظمي القدرة على أن يمنع قيام المجزرة؟  

ثم حتى في أحسن الأحوال فإن أولئك النازحين لن يجدوا في الموصل بيوتا تأويهم بعد أن يكونوا قد فقدوا خيامهم. سيكون التشرد مصيرهم. مئة الف متشرد جديد في العراق يضافون إلى متشرديه.

ولكن لمَ لم يفكر الكاظمي في تحويل المخيم هو الآخر إلى متحف؟

هناك أفكار أخرى لمتاحف كثيرة على النمط نفسه في العراق سيُذكر الكاظمي من خلال إنشائها في التاريخ باعتباره رائد اقامة متاحف لم يشهد العالم مثيلا لها من قبل.

متحف للفقر يُحنط فيه الفقراء وآخر لصور المختطفين الذين تعرف الحكومة الجهة التي اختطفتهم غير أنها تعجز عن اطلاق سراحهم. كما أن هناك فكرة لمتحف شمعي شبيه بمتحف رجال الدين في النجف يحتوي على تماثيل لزعماء الأحزاب والميليشيات والوزراء الذين استطاعوا أن يحولوا بلدا ثريا مثل العراق إلى دولة تتسول رواتب موظفيها.

العراق كله متحف للفساد. وما دام الكاظمي قد فشل في مكافحة الفساد على الأرض فليدفع به إلى الخلود ويكون خالدا من خلاله.