فاروق يوسف يكتب:

هل سبق الزمن الفلسطينيين؟

الفلسطينيون الآن وحدهم. لم يكونوا يوما ما بمثل ما هم عليه اليوم من عزلة. ليس في إمكانهم أن يكسروا طوق العزلة ما دامت تلك العزلة هي من صنعهم ولم يفرضها عليهم طرف ثالث، باعتبار أن إسرائيل هي الطرف الثاني وهي الطرف المستفيد من تلك العزلة.

هل كانوا عبر السنوات الماضية سلبيين إلى درجة أن أحدا لم يعد يرغب في الاستمرار بالوقوف إلى جانبهم بعد أن حولوا قضيتهم إلى مجموعة من القضايا الخاسرة التي لم يعد يجدي معها أي نوع من الدعم الخارجي؟

كان التشاؤم قد وقف حائلا بينهم وبين رؤية حقيقة أن العالم يتغير من حولهم وما عليهم سوى أن يواكبوا الزمن ولا يكتفوا بالوقوف في محطة انتظار انحرفت الطرق عنها من غير أن يشعروا. فقضيتهم لم تعد كما كانت من قبل وعدوّهم هو الآخر قد اكتسب حقوقا جديدة على حسابهم لم يعد ممكنا إجباره على التخلي عنها.

وإذا ما كان ذلك العدو يوما ما في حاجة إلى الحوار معهم ليقنع العالم بحسن نواياه، فإنه لم يعد اليوم كذلك بعد أن تقلصت إمكانيتهم على إقناع العالم برغبتهم في سلام يقوم على أساس الحقوق المتبادلة.

ما ربحوه من خلال نضال دام لعقود خسروه خلال سنوات، غلبت فيها خلافاتهم الداخلية على الموقف الوطني الموحد الذي يمكن أن يجعل التعامل معهم أمرا ميسّرا بالنسبة إلى أطراف تتعاطف معهم وتسعى إلى أن تحمل معهم وزر قضيتهم الثقيل.

أسوأ ما فعلوه أنهم اعتقدوا أن موقف الآخرين من قضيتهم سيكون ثابتا ولن يتغير بغض النظر عن الأضرار التي ألحقوها بتلك القضية من خلال تذبذب مواقفهم السياسية وانتقالهم من معسكر إلى آخر، بحثا عن منافع ضيقة متعثرة أدخلتهم في متاهات كانوا في غنى عنها، ووضعت قضيتهم في مواجهة التشكيك الظالم بعدالة ما تنطوي عليه من حقوق.

قالت حنان عشراوي ما معناه “لا شأن للآخرين بخلافاتنا” من غير أن تشير إلى أن تلك الخلافات قد وزعت الفلسطينيين بين معسكرات الصراع الإقليمي ولم تجعلهم يقفون على مستوى واحد ينأى بهم عن السقوط في مزالق ذلك الصراع.

ما فعلته حركة حماس في قفزها من ممول إلى آخر يعد مثالا صارخا على ذلك التشتت، غير أن ذلك لم يكن المثال الوحيد فالأطراف الفلسطينية الأخرى لم تتصرف بطريقة أفضل.

لقد انعكست الخلافات الفلسطينية الداخلية على طريقة أداء كل الأطراف الفلسطينية فعمّ الالتباس والغموض ولم يعد ممكنا التعرف على ماذا تريد تلك الأطراف على مستوى القضية التي يفترض أنها تجمعهم لا أن تفرّق بينهم. لذلك صار التعامل مع طرف دون الأطراف الأخرى محرجا بل ومثيرا لشبهات عديدة، سعى الكثيرون إلى عدم التورط فيها.

بذلك يمكنني القول إن الفلسطينيين خلقوا وضعا صعبا لم يكن في الإمكان استدراج القوى المتعاطفة معهم إليه. فتلك القوى هي الأخرى لديها ما يشغلها من المشكلات. ناهيك عن حالة اليأس التي أصيب بها الجميع بسبب انحسار روح المبادرة لدى الجانب الفلسطيني الذي استسلم لدوامة مفاوضات لا تنتهي ولا يعرف أحد عنها شيئا كما لو أنها جزء من أسرار القضية.

أما حقيقة ما كان يجري على الأرض فإنها كانت صادمة.

فالسياسة الفلسطينية قامت على رد الفعل وظل النظام السياسي الفلسطيني يتهرّأ من الداخل ولم تعد الشعارات القديمة لتنفع في تقديم صورة واضحة مثل تلك الصورة التي كان عليها الوضع قبل “أوسلو” بالرغم من أن الصورة القديمة لم تكن هي الأخرى على شيء من الكمال، غير أنها على الأقل كانت أكثر التصاقا بقضية شعب يسعى إلى الحصول على حقوقه المشروعة في وطنه.

اليوم إذ يستنكر الفلسطينيون ما يفعله الآخرون فإنهم لا يلتفتون إلى ما فعلوه بأنفسهم وكم ألحقوا بقضيتهم من الأضرار، ربما كانت أشد من الأضرار التي سببها الآخرون.

تلك مشكلة قد لا يفكر الفلسطينيون فيها بالعمق الذي تستحقه، غير أنها تشكل عائقا يحول دون أن يعود الآخرون إلى سابق سيرتهم الأولى. فالزمن سار إلى الأمام فيما لا يزال الفلسطينيون واقفين في مكانهم القديم الذي لم يعد يلتفت إليه أحد. ذلك لأنه لا يمتّ إلى الحاضر السياسي بصلة ولن يكون أحد معنيا به لأنه لن يمر به ثانية. إنه جزء من ماضٍ لن يُستعاد.