عبدالله السناوي يكتب:
تعطيل نقل السلطة في أمريكا
ظاهرته تتجاوز طبائع شخصيته بقدر ما تعبّر عن حقائق معلنة ومكتومة في المجتمع الأمريكي، ودوره مرشح للتمدد بعد أن تنتقل السلطة بقوة الدستور إلى منافسه الديمقراطي جو بايدن.
لم يكن دونالد ترامب أول رئيس أمريكي يخفق في الحصول على ولاية ثانية، فقد لقي عشرة رؤساء سابقين المصير نفسه، دون أن يسلكوا طريقته في رفض الاعتراف بالهزيمة، وتعطيل نقل السلطة بدعاوى التزوير والتحايل وقرصنة الانتخابات.
هو رجل مختلف في أزمان جديدة تقف فيها الولايات المتحدة على حافة الأسئلة الحرجة: ما مستقبل دورها في نظام دولي جديد يوشك أن يولد من تحت أنقاض جائحة كورونا؟ وما مدى قدرتها على مجابهة أزماتها الداخلية المتفاقمة بإنهاء الانقسام الفادح في مجتمعها؟
لم يسبق لترامب أن تولى منصباً سياسياً أو تنفيذياً قبل أن يصبح رئيساً للقوة العظمى الأولى في العالم، قفز إلى مقعده من حقل العقارات لا من ميادين السياسة، لم يكن من قماشة أي رئيس معاصر خسر معركة تجديد ولايته، ولا المقارنة جائزة.
فهو لا يمتلك سجلاً سياسياً وأمنياً يضاهي ما كان يحوزه جورج بوش – الأب، الرئيس الأسبق للاستخبارات الأمريكية، الذي خسر أمام المرشح الديمقراطي الشاب بيل كلينتون وغادر البيت الأبيض في صمت وفق الأصول والتقاليد قبل 28 عاماً.
على ذلك النحو تصرف الرئيس جيرالد فورد عندما لقي هزيمة مفاجئة أمام جيمي كارتر، رغم فوارق الخبرة والثروة والنفوذ، تبعه كارتر إلى ذات التصرفات المنضبطة على القواعد الديمقراطية، عندما لحقت به هزيمة مماثلة أمام رونالد ريجان الممثل السينمائي المغمور.
الخروج عن القواعد والأصول المتبعة بدا تعبيراً عن أزمة عميقة في مؤسسات الدولة، تقاليدها تراجعت والثقة في ديمقراطيتها اهتزت حتى بدت موضع تساؤل واختبار.
كان صعود ترامب مؤشراً قوياً على ترنح الطبقة السياسية في الولايات المتحدة، التي جاء من خارجها، وبنى حملته على التنديد بفسادها.
منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي لحقت بسيرته الشخصية ظلال وتساؤلات مسجلة على شرائط تلفزيون، أو منشورة على صفحات جرائد، إلا أنه نجح بصورة لافتة أن يجعل من نفسه تعبيراً عن الحلم الأمريكي في القوة والثراء وفق عنوان مسلسل تلفزيوني وثائقي عن قصة حياته.
لسنوات طويلة استقرت صورته في مخيلة مدينة نيويورك كرجل مقاولات يستطيع أن يحيل التراب إلى ذهب، إحدى الوقائع الكاشفة في سيرته الشخصية حصوله على مزايا ضريبية لا مثيل لها عندما أقنع حاكم نيويورك عام 1975 بإعفائه من الضرائب لـ 40 سنة مقابل إقدامه على مشروعات عقارية لتحريك الاقتصاد في أوقات كساد.
الاستثمار في الأزمات من مقومات شخصيته، التي تراكمت خبراتها، قبل عقود طويلة سألته مذيعة أمريكية: ماذا يفعل إذا خسر ثروته، أو تهددت بالخسائر إمبراطوريته العقارية؟ أجاب دون تردد: "سوف أترشح لرئاسة الولايات المتحدة"، كان يعني ما يقول.
إذا ما طرح السؤال نفسه بصيغة معدلة: "ماذا تفعل إذا اضطررت لمغادرة البيت الأبيض بقوة الدستور؟"، فإن إجابته المرجحة: "سوف أعمل للعودة إليه في الانتخابات التالية 2024".
عدم السماح بأي نجاح محتمل للرئيس المنتخب في تخفيف الانقسامات والاحتقانات السياسية والعرقية جوهر حملته الانتخابية المبكرة.
لا تعنيه خسارة الدعاوى القضائية واحدة إثر أخرى، ولا انسحابات بعض شركات المحاماة التي كلفها بتبني اتهاماته خشية التأثير السلبي على سمعتها، بقدر ما يعنيه وضع العراقيل والعوائق أمام الرئيس القادم لإفشاله قبل أن تبدأ مهمته 20 يناير(كانون الثاني) المقبل.
لا هو مسموح للرئيس المنتخب بالاطلاع على التقارير الاستخباراتية، التي تساعد بالضرورة على التأهب للمهام العاجلة التي تمس الأمن القومي، ولا هو مسموح لفريقه أن يطلّ على المعلومات الطبية الضرورية لمواجهة الجائحة وتخفيف وطأتها على ما تعهد في حملته الانتخابية.
اتخذ قرارات مصيرية بالوقت بدل الضائع، كمنع وكالة الخدمات العامة الفيدرالية من تخصيص الميزانية اللازمة لبدء نقل السلطة، وإقالة مسؤول الأمن السيبراني للانتخابات كريس كريبس لنفيه مزاعم تزوير الانتخابات، وإعفاء وزير الدفاع مارك إسبر بذريعة تقاعسه عن إنزال الجيش لفض التظاهرات، كأنه إعفاء انتقامي بأثر رجعي.
الأفدح بالنسبة لإدارة توشك على مغادرة مواقعها إصدار قرارات استراتيجية مثل خفض القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق، دون اعتبار لاعتراضات القادة العسكريين والحلفاء في الناتو، حتى يمكنه القول إنه التزم بتعهداته الانتخابية غير منقوصة عندما يحين وقت الإعلان عن ترشحه مجدداً للرئاسة عام 2024.