حميد طولست يكتب:

معضلة الانتخابات !

تتنوع الخطط وتختلف الأساليب تبعاً لطبيعة الهدف المراد تحقيقه والغايات المرجوة منه ، وكلما كانت الأهداف كبيرة كانت الإستعدادات أكبر منها أو مساوية لها والعكس صحيح ، وبما أن أهداف الإنتخابات كبيرة وعاياتها عظيمة جدا لدى المتصارعين على السلطة ، فإن تحقيقها لايكون إلا بإستعدادات أكبر منها وأعظم بكثير، وعلى رأسها الدعاية الانتخابية والإشهارات السياسية التي تعتمدها الأحزاب بشكل كبير للوصول للمصوتين لاقناعهم بصحة ومبررات ترشح أعضائها،  وتلميع صورهم أمام  المواطنين خلال العمليات الإنتخابية التي تقصر جل الأحزاب كل نشطاتها عليها، وتختزل سياساتها في الصراع المحموم بينها للظفر بها ، عن طريق خداع الناخبين بالدعايات الانتخابية المبالغ فيها، والإشهارات السياسي المموهة غير الصادقة ،التي تتجلى خطورتها في الشحن العاطفي الذي ازدهر في العقود الأخيرة مع تقدم وسائل الاتصال الإلكتروني ، وأصبح  من أقوى أنواع الحروب النفسية المعنوية – كتلك التي استعملها "هتلر "في حروبه – التي تستهدف عقل الإنسان وتفكيره وقلبه ، وتحطم روحه المعنوية ، وتقضي على إرادة المواجهة لديه ، بالتشويش على الأفكار ، وخلق الأقاويل والإشاعات التي لا تستهدف التأثير على السلوك الاجتماعي للفرد وشخصيته فحسب ، بل تستهدف التأثير في اتجاهات الرأي العام، وتوجيهه لأغراض محددة، وتحريضه على تقبل فكرة معينة أو خطة محددة، أو هدف معين، ، وانصياعه صاغرا لتوجهات الطامعين في الفوز بالإنتخابات ، دون وعي منه وضد رغبته وإرادته. 

ورغم أن الدعاية الانتخابية أصبحت علما يدرس في كليات الإعلام، ينتج مهنا متنوعة الأغراض، متنوعة التخصصات، متعددة المكاتب والشركات، كثيرة الوسائل والأجهزة والأدوات ، عميمة الأفكار المبتدعة والنظريات المبتكرة القادرة على ترويج وتسويق المترشح أمام جمهوره ، والتأثير في أفكار الناخبين وأفعالهم ، والدفع بهم  للتصويت له ، رغم كل هذه التبدلات الجارية في العالم ، والتحوّلات العميقة في مفاهيم عملية الدعاية الانتخابية، فإن الفقر المدقع في الثقافة السياسية لدى المرشحين وأحزابهم ، وعدم إدراكهم له ، منع الكثير منهم من استغلال ذاك التطور العلمي للدعاية الإنتخابية التي هي حق من حقوقهم المشروعة، وكأنهم تعيشون في عالم لا يقبل التغيير ، مفضلين العودة إلى الوراء‍‍‍ لاعتماد على نفس الأفكار والسلوكات البالية الشاذة والمعادة في كل دورة انتخابية، والتي تتحول معها الدعاية الإنتخابية إلى مسرحيات فلكلورية متخلفة يتسابق فيها المترشحون نحو زيارة الناخبين في أحيائهم السكنية التي لم يسبق لأغلبيتهم أن فكروا  في أحوال ساكنتها قبل هذه لحظة الحاسم، التي يُحيون فيها طقوس لقاءات "الجذبة والتحييرة "، وما فيها من تقبيل وعناق للمواطنين الذين كانوا إلى الأمس القريب يِأنفون حتى من النظر إلي وجوههم الشاحبة ، قبل أن تضطرهم الرغبة العارمة للرجوع لمجلس جماعي أو كرسي برلماني، والتمتع بامتيازاتهما الواسعة، وسلطهما اللامحدودة ، رافعين رايات وأعلام وبيارق الاستسلام والتسليم لكل أطياف البشر بمختلف ألوانها، من شمكارة وهداوة وباقي المهمشين وكل من لفّ لفّهم، مرددين بين أيديهم كلاما مكروار، بنفس النغمة، وبنفس الألفاظ، وبنفس المضمون، ونفس الشعارات المملة الموزعة بين خطاب ديني متصحر ظلامي ، وخطاب يساري وليبرالي استعلائي تافه مرتعش ، وخطاب تعادلي ننفاق انتهازي وطامع ، وغيرها من الخطابات المروجة لقوائم انتخابية باهتة، ورسوم لصور لقادة أحزاب ذابلة ، أملا في الحصول على لأصوات المواطنين. 

وحتى لا تبقى الدعاية الإنتخابية في شكلها المتخلفة، الذي ينفر المواطن من عباراتها الجوفاء، ويشمئز من لافتاتها البلهاء المستخفة بذكائه، المحتقرة لفطنته ، المستهترة بحقوقه، والمتلاعبة بتطلعاته، التي تجاهد بها الأحزاب البالية ، لاستباحة الناخب وتعليبه وتحشيده خلف معتقدات مهترءة مصوغة في أقبية الإنتهازية المقيتة ؛ أعتقد أنه لم يعد كافياً إعلان المواطن عن مواقفه حيال ذاك المقت المبين، بالتّندر والتفكّه والتنكيت ، أو بالعزوف عن المشاركة في التصويت وبات يستوجب على كل وطني غيور إجبار الأحزاب و قيادتها ورموزها على احترام رأيه وتقديره رغباته . 

وإلى حلقة أخرى من سلسلة"معضلة الإنتخابات" بحول الله وعونه.