رحيم الخالدي يكتب:

من أين نأتي بحسقيل ؟

يذكر أرشيف التاريخ الملكي العراقي، أن الملك فيصل أراد شراء سيارة جديدة، وحسب السياقات في ذلك الوقت، يقدم طلب لوزارة المالية، بغرض إعطائه قرض، فكان رد وزير المالية أسرع من البرق، أنه لا توجد أموال! وعليه إنتظار السنة القادمة بعد إقرار الميزانية، وعزز الرد بجملة هذه أموال الشعب ومن غير الممكن التلاعب بها .

ساسون حسقيل أول وزير مالية في العصر الحديث، إستلم المهام في سنة الف وتسعمائة وواحد وعشرين، ويعتبر من الشخصيات العراقية المهمة في تاريخ العراق المعاصر، وقد حرص على التقاليد البرلمانية الصحيحة، وتطبيق النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي، وقد وصفته المس بيل بأنه "أقدر رجل في مجلس الوزراء" هو صلب قليلاً، وينظر إلى الأمور من وجهة الحقوقي الدستوري دون أن يعطي إعتباراً كافياً لأحوال العراق المتأخرة، ولكنه حر ونزيه إلى أبعد الحدود .

يُعَدْ ساسون أشهر وأنزه وزير عراقي في تأريخ الحكومات العراقية المتعاقبة، فكان أول وزير مالية عراقي أسهم بشكل كبير في وضع الأسس الصحيحة، لقيام الإقتصاد العراقي وبناء ماليته على وفق نظام دقيق، بدليل سجلات مفاوضات النفط مع الإنكليز، حينما أشار على المفاوض العراقي، إضافة كلمة (ذهب) على جملة (أربعة شلنات)، حيث ربط الدينار العراقي بالجنيه الإسترليني المغطى بالذهب .

ذكر الراحل الدكتور أحمد الجلبي، أنه اذا بقي الحال كما هو عليه، بعد مرور عشر سنوات ستكون الدولة غير قادرة على تأمين الرواتب، وهذا حدث فعلا نتيجة التخبط الحكومي، والصراع على المناصب، وترك الحمل على الغارب، مع الرضا بوجود الفساد المستشري، وعدم تفعيل القانون بمحاسبة الفاسدين، والناتج فقط شعارات مللنا منها، ولم نعد نصدق إلا بعد أداء يكون بمستوى دولة، وليس كما معمول به منذ الفين وثلاثة .

من جانب وبغرض إحداث ضجة إعلامية لرئيس الوزراء، بغرض احتسابه انجاز له، تم إرسال قوات من بغداد الى المنافذ الحدودية، ومنها ميناء أم قصر، وقد ظهرت تصريحات أن الوارد اليومي تجاوز خمسة مليار دينار، كمردود مالي يذهب للخزانة العراقية، بيد أن منافذ الإقليم غير مشمولة! كونها محمية أمريكياً، بل لم يتجرأ ذكرها في المؤتمرات الصحفية، ولا ننسى القنوات الإعلامية التي سلطت إعلامها على الوسط والجنوب، تاركةً المحافظات الشمالية، وكأن هنالك جهة تسيرهم وقد يكون هذا فعلا والا لماذا ؟!.

يطالب رئيس الوزراء البرلمان، بواسطة الإعلام التصويت على ميزانية الفين وواحد وعشرين، حيث تناولته كل القنوات الإعلامية والصحف، وليس القنوات المعمول بها حكوميا، ليتضح لنا لاحقاً أن رئاسة الوزراء لم ترسل الميزانية! والمهم عند رئيس الحكومة السبق الإعلامي بغرض (الطشّة)! وهذا يقودنا لسؤال مهم جداً، أن العراق متجه بإدارة الدولة بواسطة الإعلام، وليس السياقات المعتمدة عالميا، والا كيف يتم تسريب أسرار الدولة بهذا الشكل ؟.

وزير المالية يعمل دون خبرة وكأنه في سوق البزازين وليس وزير يدير وزارة دولة تعتمد على الإيرادات وفق معايير الإستيراد والتصدير وتسويق النفط وبقية الأمور المالية ولم نرى يوماً دولة لا تستطيع تأمين رواتب موظفيها إلاّ من خلال الإقتراض سواء الخارجي منها والداخلي وهنا يقفز سؤال؟ أين إيرادات الدولة التي صرحت رئاسة الوزراء قبل فترة انها حققت إيرادات عالية بواسطة القضاء على الفساد حسب الادعاء ناهيك عن أموال النفط .

المبلغ الذي ذكرته رئاسة الوزراء من منفذ واحد في ميناء أم قصر الشمالي الذي فاق الخمسة مليار يومياً ولو إحتسبنا باقي المنافذ الحدودية، إبتداءاً من المنذرية وبدرة ومندلي والشلامجة وأم قصر بشطريها والعبدلي والقائم والرطبة ومنفذ عرعر، لغطت هذه الميزانية مع فائض يمكنه أن يغطي مفاصل أخرى، ونظيف له المردودات من الضريبة والمرور والصحة والكهرباء وأمانة بغداد، والوقود بمشتقاته المباع بواسطة محطات الوقود، كذلك النفط الخام المباع بواسطة شركة سومو، لفاقت الميزانية كل التوقعات .

اليوم العراق يحتاج وزير مالية، يكون بحجم دولة وصاحب قرار، وإذا إستعصى عليهم ذلك، يمكنهم الإستعانة بشركات رصينة يمكنها إدارة الملف المالي، ومن خلال ذلك بالإمكان القضاء على مافيات الفساد المتغلغلة في المفاصل الحساسة، وإستغلال كل الفرص المتاحة، ولو كان ساسون حسقيل اليوم بيننا لما حصل هذا التخبط، وهناك أرصدة عائدة للدولة إستغلها النظام السابق، لتمويل الجماعات المسلحة لتخريب العملية الديمقراطية، يجب ملاحقتها وإسترجاعها، ناهيك عن الأموال المجمدة في أمريكا وغيرها من الدول .