فاروق يوسف يكتب:
أميركا ليست جديدة وإيران تنتظر
كان الشرق الأوسط قد استعد لاحتمال أن لا يكون ترامب رئيسا للولايات المتحدة في ولاية ثانية. لم يكن الجميع على المستوى نفسه من الشعور. ذلك مؤكد. غير أن إيران كانت الدولة الوحيدة التي عبرت بطريقة علنية عن سعادتها لو أن ترامب يغادر البيت الأبيض.
لقد وعدت نفسها أن تتعامل مع أي رئيس يخلفه بطريقة منفتحة.
الآن وقد تحقق أملها لا تبدو إيران سعيدة. هناك ما يزيدها تعاسة. فهي لن تتراجع عن الخط الذي مشت فيه. فيما الوكالة الدولية للطاقة الذرية تطالبها بالتراجع عما أنجزته أمام الاتحاد الاوروبي فإنه صار يطالبها بالعودة إلى الاتفاق النووي. ذلك يعني أنها قد غادرت ذلك الاتفاق وصار عليها أن لا تطالب الولايات المتحدة بالعودة إليه بعد انسحابها في عهد ترامب.
ما الذي كانت إيران تنتظره من الرئيس الأميركي الجديد؟
أن يوافق مثلا على أن تكون دولة نووية. أو يغض الطرف عن مشروع صواريخها البالستية. هل كانت تأمل في أن يوافق الرئيس الجديد على هيمنتها على العراق ولبنان واليمن؟
حتى اللحظة فإنها تبدو غير مستعدة لإعادة النظر في حساباتها. فهي اما أن تجبر العالم وضمنه الولايات المتحدة على القبول بسياساتها التسليحية والتوسعية أو أن تجر المنطقة إلى حرب مدمرة. هل هذا صحيح؟ بمعنى أنها وصلت إلى خط اللاعودة. لكن الولايات المتحدة لا تصدق ذلك. فالملالي يهمهم استمرار نظامهم الذي يمكن أن يتعرض للإزاحة إذا ما نشبت حرب مدمرة ضد إيران. إنهم غير مستعدين لتضحية من ذلك النوع.
لن يفرط آيات الله بنظامهم مهما بلغت أهمية الشيء الذي يدافعون عنه.
ذلك ما تعرفه الولايات المتحدة ولا يجهل فريق بايدن تلك الحقيقة.
اما أن يظهر الإيرانيون تشددهم في مواجهة الأنباء غير السارة التي أتتهم من واشنطن فما ذلك إلا عودة إلى اللعب في وقت ضائع، لا تجد الولايات المتحدة ضررا منه لولا عودة الميليشيات الموالية لإيران إلى ازعاج سفارتها في بغداد بصواريخ لم يعد من الصعب صدها لكن مجرد تفعيل ذلك الجانب الشاذ من العلاقة الأميركية الإيرانية يعني أن الأمور تسير في اتجاه خاطئ.
ولكن هل كانت تلك الصواريخ التي دُمرت تحية وداع لترامب أم أنها تحية ترحيب ببايدن؟
الأثنان معا.
لم تعد إيران مستبشرة بذهاب ترامب ومقدم بايدن. فحتى لو عادت الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي فإن ذلك سيستغرق زمنا طويلا لن تقدم فيه على المفاوضات إلا وفق شروط جديدة صارت إيران تعرفها. أما العقوبات الاقتصادية التي تشمل بشكل أساس تصدير إيران لنفطها فإن شأنها معقد وصعب ولن تستطيع إدارة الرئيس بايدن أن تنهيه في وقت قصير بسبب تقاطع العمل البيروقراطي بين وزارة الخزانة والكونغرس.
ما نشرته إيران بين أتباعها قبل الانتخابات الأميركية لم يكن سوى شائعات أمل كان الغرض منها رفع المعنويات المنهارة بعد مقتل قاسم سليماني وتعرض عدد من المنشآت النووية والعلمية الإيرانية لحرائق لم يتم التوصل إلى الجهة المسؤولة عنها. كان الحديث عن أوباما جديد علنيا في صحف الاتباع الذين صاروا يتوقعون أن إيران قد تلغي مسألة الانتقام لمقتل سليماني إذا ما اعتلى كرسي الرئاسة في البيت الأبيض ذلك الأوباما الجديد.
ولكن بايدن وقبل أن يدخل البيت الأبيض أوضح خطته للعودة إلى الاتفاق النووي كما أن العالم صارت لديه فكرة سيئة عن الموقف الإيراني من ذلك الاتفاق. فكما يبدو أن إيران كانت قد سبقت من خلال مخالفاتها الولايات المتحدة في الانسحاب من الاتفاق.
الفرق أن الولايات المتحدة كانت صريحة فيما كانت إيران تفعل كل شيء في الخفاء. اليوم صارت أوروبا -وهي طرف في الاتفاق- على بينة من السلوك الإيراني الذي هو ليس في حقيقته رد فعل على الانسحاب الأميركي بل هو جزء من مخطط جاهز وثابت ولم يقع بالصدفة.
هذه هي إيران. دولة تقوم سياستها على الخداع والاحتيال والمراوغة.
وإذا ما كانت أوروبا التي وقفت مع إيران قد أعلنت عن التعب منها فكيف يمكن أن يكون الموقف الأميركي بغض النظر عن شخصية الرئيس؟
موقف بايدن ليس مفاجئا أو صادما.
ومن المتوقع أن لا تكون إيران قد صدمت بموقف الرئيس بايدن. ذلك لأنها تملك قوة ضغط في واشنطن لا يستهان بها يمكنها أن تكون على علم بكل شيء.