حميد طولست يكتب:
معضلة الانتخابات!
إن الترشح مسؤولية ومعارك و تضحيات، وليس عبثا سياسيا، ولا قدرات مالية لفلان أو فتلان، ولا هو مجرد علاقات اجتماعية، و روابط أسرية، كما أنه ليس تدينا ولحى وحجاب وطيب ومسواك ، فالمسألة أكبر من ذلك بكثير، فهو أمانة واستقامة ودربة سياسية وشخوص نزهاء مخلصين، لا يخشون في محاربة الفساد والمفسدين لومة لائم.
ولا شك أن شعبا كريما كالمغرب، قدم العديد من التضحيات، والكثير من النضالات، لخليق بأن يحظى بمرشحين في مستوى تضحياته ونضالاته، معروفون بمواقفهم السياسية الثابتة، حزبيون كانوا بانتماءاتهم المتينة أو مستقلون وطنيون خاضوا معارك وكفاحات نضالية حقيقية من أجل الحريات العامة ومكافحة الفساد وتحقيق دولة الحق والقانون، أقوياء بوطنيتهم، يتحملون مواقفهم بكل شجاعة وجرأة، يجتهدون لحل معضلات البلاد و التخفيف من معاناة العباد، بنضال صادق مستميت ، و أجندات واضحة المعالم، وبرامج محسوبة المرامي تؤسس لتجربة سياسية حقيقية، تجلب الرخاء والنماء ، وتكرس المكتسبات ، بكل الطرق السلمية والمشروعة طبعا .
بعيدا عن ظاهرة ترشح من هب ودب لتسيير الشأن العام ، الذي يبقى أمرها مثيرا للاستغراب ، وتتناسل حوله الأسئلة الحرجة ، وتتدفق التساؤلات المقلقة حول أسباب هذا التدافع المدهش ، وذاك التهافت الغريب ، الذي بلغ حد الاقتتال بين مترشحين مجهولي الهوية والتاريخ ، باهتي الانتماء ، لا رصيد نضالي أو سياسي أو اجتماعي لهم، و لا يحملون أدنى زاد من الثقافة أو المعرفة السياسية، والذين لا هم لهم إلا السعي ليكونوا منتخبين ،على حساب مآسي المصوتين الذين ليسوا عندهم سوى أرقاما في لوائح انتخابية ، يدفعهم إلى ذلك ما ترسخ في الوعي الاجتمعي للمجتمع عامته من أفكار تؤكدها وقائع الإنتخابات المشاهدة ، وواقعها المعاش ،الذي يوحي بأن الترشيح للانتخابات يرفع من قيمة الفرد، وينتقل بالكثيرين من أحوال البؤس والحاجة، إلى حوالات السعة، أو السوبر تروة ، وفي أحيان كثيرة إلى الميجا غنى، ما أسال لعاب الكثير ممن لا شغل لهم ولا مشغلة – ولا أقصد هنا عملة الشواهد العليا المعطلين الذين من بينهم الكثير ممن يستحقون تلك المقاعد – بغزارة للترشح لمجالس سايبة في عمومها ، وبدون رقيب ولا حسيب، ولا تتطلب شواهد عليا، ولا كفاءات خاصة ، ولا حتى معرفة بالسياسة ودهاليزها ، ويكفي لأي راغب في ولوجها ، أن يوفر قدرا من المال ويحصل على تزكية من أي حزب كان -وهي متوفرة في كل مكان ولها سماسرتها وتباع في كل مكان ،حتى في المقاهي- ثم يملأ الدنيا بزعيق الشعارات الهلامية الرنانة والمدغدغة لمشاعر الناس وأمانيهم البسيطة وأحلامهم البعيدة عن واقع الحال والأحوال ، وها هو في مجلس - قروي أو حضري أو في قبة البرلمان -يمثل مواطنين لا يعرفونه ولا يعرفهم ، والذين سرعان ما يخيب آمالهم ، كسابقيه الذين تنطبق عليهم المقولة الشهيرة "صام المصلي لأمر كان يطلبه فلما انقضى الأمر لا صلى ولاصام" ، الذين غيروا محال سكناهم بأخرى جديدة تليق بمقاماتهم الجديدة التي وصلوا إليها على أكتاف ناخبيهم ، الذين كانوا سبب تبدل أحوالهم وتخلي اغلبيتهم عن "البشكليطة" التي كانت "تهز رجليهم" واستبدلوها بــ"الجيم"، المشوحة لمؤخرة "المرسيديس ، أو البي إم ، أو الأودي " وغيرها من أنواع السيارات الفارهة التي ما كان أحدهم يجرؤ حتى على الحلم بالوقوف بجانبها ، فبالأحرى امتطاءها ، و"التفرشخ" بها في واقع مزيف ، يستحث أكثريتهم على المزيد من الانخراط في الحروب والصراعات السياسوية وألآعيب التعدي على الممتلكات العامة سرقة ونهباً واغتصاباً، لأجل المزيد من الكسب القذر ، الذي أنسى عالبيتهم الفقر والحاجة التي ولدوا وترعرعوا فيها، وحول عدد منهم إلى كوارث اجتماعية لا ترعوي عن النهب والسلب والانتقام من مصلحة المجتمع الذي كانوا جزءاً منه.
ولتّأكد من أن قولي ليس افتراء ولا تجنيا ، فما على من يشك في ذلك ، إلا أن يقوم بجولة قصيرة في أي دائرة انتخابية لأي حي من أحياء مدن الوطن وقراه ، ويسأل ساكنتها عن أي مرشح من مرشحيها ، فلا شك ستصدمه الإجابات غير المهذبة في غالبيتها ، الصادرة عن حالة الغضب التي تعصف بالناس عند سماعهم السؤال عن منتخبيهم ، ويدفع بأشدهم إتزانا وحلما وتسامحا وكضما للنرفزة والثورة والهياج ،للإجابة بما قد يخرج عن اللباقة ، كقول بعضهم :"إلى لقيتي ذاك " لكع بن لكع" عطينا منو طريف" وغيره كثير اخجل من ذكره ..
هوامش
لكع بن لكع هو: اللئيم ابن اللئيم، أو هو: رديء النسب والحسب، وقيل: من لا يعرف له أصل ولا يحمد له خلق. قاله في تحفة الأحوذي، وقال في النهاية: اللكع عند العرب العبد، ثم استعمل في الحمق والذم.