عمر علي البدوي يكتب:

من يريد إفشال اتفاق الرياض؟

أضحى في حكم المعلوم أن جماعة الحوثي قامت بتنفيذ العمل الإجرامي الذي وقع في مطار عدن، بالتزامن مع وصول أعضاء الحكومة اليمنية على متن طائرة تحمل معها آمال الجميع بعودة الأمور إلى نصابها، وقيام الدولة بواجباتها والخروج من شرّ اللادولة، الذي سيطر على واقع اليمنيين وبات يهدد مستقبلهم.

رغم وقوع ضحايا أبرياء نتيجة هذا العمل المشين، من بينهم أعضاء في مؤسسات دولية، نجا أعضاء الحكومة. خطأ التوقيت حافظ على خط الأمل موصولاً. وردة فعل رئيس الوزراء معين عبدالملك بالظهور مباشرة وإعلان شجب العمل وإصرار الحكومة على المواصلة وزيارة المصابين وعقد الاجتماع الأول على التراب اليمني، بدّد الأثر الذي كان يراد له أن يدوم ويبقى بعد الهجوم الإرهابي الحوثي.

يسعى الحوثي إلى فرض سياسة الأمر الواقع، بالسيطرة على صنعاء برمزيتها التاريخية والسياسية، وتسيير أعمال ما يفترض أنه حكومة قائمة، ويطالب المجتمع الدولي بالتجاوب معه

لا شيء يمكن أن يضع الحوثيين في مأزق ويشجع المجتمع الدولي على خدمة مصالح اليمن الوطنية وينفي عن البلاد خَبَث الانقسامات سوى أن تقوم للحكومة الشرعية قائمة وتتولى واجباتها وتسيير أعمالها، خاصة في الشق الخدمي والتنموي، لأنه وحده ما يسرع ويثبت جدوى دعم اليمنيين لها وانصرافهم عن مشاريع الأمر الواقع، الذي يسعى الانقلابي الحوثي ومن ورائه إيران لتثبيته في اليمن.

يتبنى اتفاق الرياض هذه الفكرة ويسعى لإنجاحها، ومقاومة كل المعوقات التي يمكن أن تعترض طريقه، ومن بين ذلك تخاذل أجهزة الحكومة وتراجع أداء أعضائها، أو ارتهانهم لأي من الأجندة الجانبية التي تغذيهم بها فسيفساء الانتماءات المذهبية والسياسية والمشاريع السياسية الشاذة.

وكشف الترتيب الأمني لمطار عدن أثناء وصول طائرة الوزراء بعض الثغرات والأخطاء الفادحة التي لا يمكن التسامح معها، وبضرورة رفع كفاءة الأجهزة الحكومية ومراجعة البروتوكولات الأمنية وصون المشروع الوطني من الاختراقات المحتملة والحفاظ على إنجاح حالة الدولة من الذوبان والعجز واليأس.

للجماعة الانقلابية سوابق في هذا المسار تؤشر إلى دورها الخبيث الموظف لإفشال حالة الدولة وعرقلة منظومتها، مدعوم من حيث تريد أو لا تريد بجماعات أيديولوجية بعضها محسوب على الصف الوطني اليمني، أرادت التشويش على حقيقة الشناعة الحوثية وذر الرماد في العيون، بتوجيه الاتهامات إلى أعضاء في التحالف العربي، وإعادة الأمر إلى نوايا انفصالية جنوبية تدعمها أطراف عربية.

هذه النوايا، وإن كانت موجودة، لكنها وصلت إلى طريق مسدود، بعد أن تشجّعت أطراف واضطرت أطراف أخرى للقبول بوصفة معقولة تمثلت في اتفاق الرياض، لتجميع قدرات اليمنيين في مواجهة الخطر الحقيقي، وتأجيل النقاشات المحلية إلى لحظة لاحقة؛ بعد تصفية الأجواء وتثبيت دعائم الإجماع الوطني ووضع النقاط على الحروف.

قال رئيس الوزراء اليمني إن لديه “معلومات استخباراتية تشير إلى أن خبراء إيرانيين جهزوا للهجوم على مطار عدن”.

يحمل الهجوم على مطار عدن بصمات إيرانية من حيث أهدافه ونتيجته؛ لطالما استهدف النفوذ الإيراني وأدواته المحلية في لبنان والعراق أي اتجاه وطني يسعى لتجاوز الحالة الطائفية التزاما بمنطق الأمر الواقع الذي يؤسس للارتهان للمظلة الإيرانية.

كانت طهران تعمل دائما على أن تشلّ الدولة في حال خروجها عن مظلتها وتفجرها من الداخل، وتستبيح مؤسساتها وتفرض منطقها بقوة السلاح وزرع العملاء، مما يضطر المجتمع الدولي للتعامل مع حكومات مشلولة ومخترقة ومحاطة بحزام من الميليشيات المدججة بالعتاد ومتحفزة لإفشال أي مشروع وطني إذا فُقدت ضمانات ارتهانها للمظلة الإيرانية.

لا شيء يمكن أن يضع الحوثيين في مأزق ويشجع المجتمع الدولي على خدمة مصالح اليمن الوطنية وينفي عن البلاد خَبَث الانقسامات سوى أن تقوم للحكومة الشرعية قائمة

يسعى الحوثي بالمثل، إلى فرض سياسة الأمر الواقع، بالسيطرة على صنعاء برمزيتها التاريخية والسياسية، وتسيير أعمال ما يفترض أنه حكومة قائمة، ويطالب المجتمع الدولي بالتجاوب معه على هذا الأساس؛ لا يسمح بخسارة ورقة تمثيل اليمنيين أو يقبل بعودة الحكومة الشرعية الأصلية، ويجعل من غيابها وفشلها في القيام بأدوارها علّة لإماتتها والانصراف عنها والتعامل وحيداً فريداً لتمثيل اليمنيين.

على اليمنيين باختلاف خلفياتهم، تحمل مسؤولية البلاد، والخروج بها مجتمعين من مأزقها الحاد، والكف عن التعويل الكامل على دعم الأشقاء والمجتمع الدولي، بينما اليمن ينزف من كل الجهات، والإجماع على دعم مساعي تصنيف ميليشيا الحوثي جماعة إرهابية للخلاص من هذا الكابوس المزعج.

التساهل مع حالة الحرب يهدد بخروج اليمن من التاريخ كلياً واستمراء مناخ الحرب وبناء كتل اقتصادية واجتماعية وسياسية تعتمد على استمرارها دون أن تأبه أو تهتم بانزلاق البلاد إلى المجهول والدخول في أنفاق مظلمة تنذر بخراب كبير.