زيد شحاثة يكتب لـ(اليوم الثامن):
عندما يكون الصمت بلاغة
يميل الإنسان بطبعه لأن يتحدث ويظهر مدى معارفه, ويشرح موقفه من كل حدث يمر به.. لكنه أحيانا قد يفشل في ذلك فيقال عنه أنه قد أصيب " بالعي" لأنه لم يجد جوابا يلائم الحدث, أو لأنه قد أرتكب خطئا كبيرا, بحيث لا يملك دفاعا يبرر فعله ذلك..
قد تفرض على الإنسان مواقف يدفع فيها للصمت, من هول وعظمة وجسامة الحدث, فلا يجد ما يمكن أن يكفي للتعبير عن الموقف, أو حتى ليدلي بدلوه فيها برأي أو نقد أو ملاحظة حتى, فيكون عندها الصمت أبلغ وأليق بالحدث.. فلا كلام يمكن أن يصفه أو في الأقل يوضح ما يعتمل في صدورنا من المشاعر..
هل جربتم يوما أن تقفوا على قبر شهيد؟ وهل فكرتم في لحظاته الأخيرة وكيف كانت أحاسيسه حينها, بل هل فكرتم بحجم الألم الجسدي الذي ناله؟ وهل فكرتم بشعوره عائلته وأهله ومحبيه عند فقدانه؟!
أسئلة كثيرة حائرة لا يمكن أن نجد لها إجابة.. فأي إجابة لا يمكن أن توضح بشكل حقيقي ما يمكن أن يعتمر في قلوبنا من مشاعر تكاد تحرقنا, فهل يمكن أو يجوز أصلا وصف الحب, أم كيف يمكن توضيح الإمتنان الذي يجب أن نحس به تجاه هكذا نماذج فريدة؟
الشهادة موقف وفكرة وقرار وموقف ومرتبة وحكاية لها بداية وليس لها نهاية.. لذا أفرد لها الخالق توصيفات قرآنية تكاد تفوق فهمنا كبشر, ومنح من ينالها شرفا وتكريما لا يناله غيره من العباد والزهاد والعلماء والعاملين.. فكل هؤلاء قدموا ربما شيئا من عمرهم أو جهد أو مالهم أو ما شابه, لكنه كان جزأ, وليس أهم ما يملكون.. حياتهم.
كثيرون منا قد يذهبون لزيارة قبور أحبائهم, وربما يقومون بما هو متعارف من أعمال أو تقديم ما تيسر من قراءة القرآن والثواب لأرواحهم, وربما جلس بعضنا عندهم يشكوا لهم حزنه ويبثهم شكواه, بما فعلت به الدنيا بعد رحيلهم.. لكن هل نفعل نفس ذلك عند زيارة مراقد الأولياء الشهداء الصالحين أو أحبائنا من الشهداء, ممن نالتهم يد الغدر أو قضوا في سبيله أو لأجل قضية سامية عظيمة؟!
الصمت عندها هو اللغة الأبلغ, والتأمل في مواقفهم وحياتهم هو الدرس الأهم, الذي يجب أن نتعلمه ونعلمه لأولادنا, ونتناقله جيلا بعد جيل.. فالشهادة قمة يصعب الوصول إليها, لكنها منارة نتعلم منها كل يوم درسا, ويجب أن تكون حكاية لمستقبل نكتبه نحن.