د. عيدروس النقيب يكتب:

عقد على ثورات “الربيع العربي” 3-4

مواصلة لما كنا قد بدأناه في الحلقة الماضية، نعيد التذكير بأن جماعات الإخوان المسلمين، كانت آخر القوى السياسية التي التحقت بحركة الاحتجاجات التي رفعت شعار “إسقاط النظام”، لكن من المهم الإقرار أن دخول الحركة الإخوانية، والحديث هنا عن كل البلدان العربية، وخصوصا تونس ومصر واليمن، قد كان له أبعاداً عديدة متباينة، سأرجئ الحديث عنها ، وأشير هنا إلى كيف التحقت أحزاب اللقاء المشترك ومنها التجمع اليمني للإصلاح، بالحركة الشبابية الرافضة لنظام الرئيس علي عبد الله صالح.
كان الكثير من الناشطين الإصلاحيين من الشمال والجنوب يشاركون في الفعاليات الاحتجاجية للحراك السلميي الجنوبي وأتذكر أن الأخت توكل كرمان كانت من بين المشاركين في مهرجان 14 أوكتوبر 2007م  الذي تلى حادثة المنصة والتي سقط فيها أربعة شهداء وعدد من الجرحى، وكان كاتب هذه السطور من قدمها إلى مقدمي الحفل على المنصة لتلقي كلمة لم تختلف في مضمونها عما طرحه المتحدثون الجنوبيون بما في ذلك تأييد مطالب شعب الجنوب في التحرر من نتائج حرب 1994م، واستعادة حقه في تقرير مصيره، وكان آخرون ومنهم طالب جامعة عدن عبد الله العليمي قد ظهروا في  فعاليات يطالبون فيها باستعادة الأموال المنهوبة، لكن الطالب العليمي لم يطالب بالأموال التي نهبها نظام صنعاء من الجنوب وعلى حساب ثرواتهم ومكتسبات ثورتهم، بل تلك الأموال التي قال أن الانفصاليين علي سالم البيض وحيدر العطاس نهبوها من أموال الشعب اليمني، وهذا شكل من أشكال مشاركة الإصلاح في الثورة الجنوبية.
ولأن ثورة الربيع العربي في الجنوب تتميز بالكثير عن نظيراتها العربيات فسأتحدث عنها في منشور لاحق، وأواصل هنا كيفية انخراط أحزاب اللقاء المشترك في فعاليات الثورة الشبابية السلمية في صنعاء وتعز وبقية مدن الشمال.
كانت أحزاب اللقاء المشترك قد أطلقت مشروعا للتشاور الوطني منذ العام ٢٠٠٩م، وكان الغرض منه توسيع دائرة المعارضة المطالبة بتغيير ديمقراطي سلمي، واتخذ هذا المشروع مسارا طويلا دام حوالي العام، عقد في ختامه لقاءً تشاوريا وانتخب هيئة للحوار برئاسة الأستاذ محمد سالم با سندوه وانتخب النائب البرلماني حميد الأحمر أمينا عاماً ثم جرى انتخاب لجنة مصغرة من حوالي 26 ـ 30 عضوا بينهم أمناء عموم الأحزاب وبعض أعضائها وممثلين للمستقلين وبعض الفئات الاجتماعية.
عندما اندلعت أحداث الثورة السلمية، وهي بالمناسبة بدأت منذ يوم هروب بن علي من تونس في 13 /1/ 2011م، لكنها تصاعدت أكثر مع يوم 25 / 1 يوم اندلاع الثورة المصرية، وهذا ليس الأهم هنا، أقول عندما اندلعت الحركة الاحتجاجية انطلق الكثير من الشباب ومعظمهم من المستقلين كما شاركهم حزبيون دون الرجوع إلى أحزابهم، وكانت اللجنة المصغرة تتابع عن بعد هذه الاحتجاجات، معربة عند التعاطف معها، لكن  دون الإشارة إلى دعمها أو تبني شعاراتها.
في يوم 20 فبراير كانت اللجنة المصغرة مجتمعة في ظل غياب رئيس  الإصلاح وأمينه العام لكن بحضور بعض القيادات الأصلاحية منها الدكتور محمد السعدي الأمين العام المساعد، وحميد الأحمر والمرحوم د. صالح السنباني عضوا مجلس النواب واالشيخ علي الصلاحي أحد مشائخ مأرب وآخرون، في هذا اليوم أصر معظم الحاضرين على انخراط أحزاب اللقاء المشترك ومعها الشركاء في التشاور الوطني في فعاليات الثورة السلمية، ولأن النقاشات كانت مطولة ومتشعبة، فقد كلفت لجنة رباعية بصياغة بيان الاجتماع كان كاتب هذه السطور عضوا فيها، وأهم النقاط التي تضمنها البيان: إدانة أعمال العنف ضد المتظاهرين، حل معضلات البلاد وقضايا النزاع عن طريق الحوار، إجراء إصلاحات ديمقراطية دستورية وقانونية تسمح ببناء دولة النظام والقانون، والأهم من كل هذا، دعوة شباب أحزاب التشاور الوطني للانخراط في الثورة الشبابية السلمية.
وكان كاتب هذه السطور هو من لخص النقاشات وقدم مشروع البيان لبقية أعضاء اللجنة وهم الزملاء النواب البرلمانيين صخر الوجيه وعلى عبدربه القاضي والمرحوم د. صالح السنباني، ثم قدم المشروع للمجتمعين، وهو البيان الوحيد الذي ويعرض مرتين على أعضاء اللجنة المصغرة لإقراره نهائياً.
في مساء تلك الليلة تلقيت مكالمة من قائد إصلاحي (أعتذر عن تناول اسمه) وصفتها بأنها أثقل مكالمة تلقيتها منذ بدأت استخدام الهاتف.
لقد فتح معي هذا الصديق ما يشبه التحقيق،
عمن كتب البيان؟
ولماذا أقررتم الانخراط في الفعاليات الثروة السلمية؟
ومن سيتخمل النفقات ؟
ومن سيقود الثورة؟
وعشرات الأسئلة التي لم أكن أجد لها مبررا، لكنني قلت لهذا الصديق، إن اللجنة مكونة من أربعة أفراد وإنها قامت  بمجرة الصياغة لما أقره الاجتماع، وقلت له لو سألتني عن موقفي فيما يخص الاشتراك في فعاليات الثورة فإن هذا الموقف قد بدأ منذ شهرين، وذهبت إلى الاحتجاجات دون أن أستأذن أحد بما في ذلك قيادة الحزب الذي أنتمي أليه.
القصد من هذا الحديث الممل والمطول الذي استعرضته، هو تبيان أن الإخوان المسلمين لم يكونوا ينوون المشاركة في الثورة، سواء من خلال أدوار الوساطة مع الرئيس التي كان يقوم بها محمد اليدومي وعبد المجيد الزنداني وغيرهم، أو من خلال التباين في الموقف من المشاركة في الفعاليات الاحتجاجية، وهنا لا بد من الإقرار ومن باب الإنصاف أن الإخوان الذين شاركوا في آخر اجتماع للجنة المصغرة قد كانوا موافقين على نص البيان بما في ذلك دعوة الأعضاء والأنصار للمشاركة في الفعاليات الاحتجاجية.
وقبل نهاية هذه الحلقة أشير إلى أربع قضايا مهمة وهي.
1. إن فعاليات الثورة السلمية في عدن ومعظم محافظات الجنوب قد تميزت جذريا عن الفعاليات في الشمال سواء من حيث أنها قد سبقت ثورة الشباب الشمالية بأربع سنوات، أو من حيث إن مطالب هذه الفعاليات (الجنوبية) لم تكن تنادي بإسقاط النظام بل بإسقاط الاحتلال.
2. إن فعاليات الثورة السلمية في تعز تميزت عنها في صنعاء بأنها كانت تحت سييطرة القوى المدنية غير الدينية، وكان حضور النشطاء الناصريين والاشتراكيين والبعثيين وبعض المستقلين من الأكاديميين والمثقفين والأدباء والفنانين أكثر من حضور النشطاء الإصلاحيين.
3. إنه وبانخراط أحزاب اللقاء المشترك في فعاليات صنعاء، وإب وبعض المحافظات (التي شهدت فعاليات محدودة العدد) تغير ميزان القوى، وأصبحت الفعاليات شبه إصلاحية بالمطلق، فقد هيمن الشباب الإصلاحيون على المنصات، وعلى لجان الفعاليات، الأمنية والسياسية ولجان التغذية والتنظيم وغيرها، مع فتح مجال صغير لمشاركة الآخرين من الحزبيين والمستقلين ولكن تحت السيطرة،
4. لكن ما لا بد من الإقرار به أن الكثافة الإصلاحية قد أضاقت زخما كبيرا للفعاليات لكنها وسعت شيئا فشيئا من الهيمنة الإصلاحية التي لها ما لها وعليها ما عليها مما سنتناوله في موضع لاحق.