عمر علي البدوي يكتب:

بريطانيا تبحث عن دور جديد في الخليج

هل تبحث بريطانيا عن التقاط فرصة ذهبية لاستعادة تموضعها في منطقة مهمّة هي الشرق الأوسط والخليج العربي بالتحديد، بالتزامن مع تقلبات في رياح العلاقات مع الحليف التقليدي لدول المنطقة، واشنطن، وفي سياق بحث بريطانيا عن نوافذ بديلة للمنظومة الأوروبية التي خرجت عنها مؤخرا.

هل تستثمر لندن في هذا المناخ بكل تفاصيله المعقدة، لتفوز بموطئ قدم أكثر فعالية وحيوية ومكاسب، وهي التي تملك تاريخا من الحضور يمتد لقرابة 400 عام، وتأثيرا في تشكيل ورسم الواقع الجيوسياسي القائم الآن، رغم أنها تعهّدت به إلى البديل الدولي الأميركي الذي واصل لعب الدور نفسه بتفاوتات متعددة، لكنه الآن أضحى أقل حماسة واهتماما للتداخل مع كل تفاصيل المنطقة ووقائعها.

تاريخيا لم تكن بريطانيا بعيدة تماما عن الخليج، كانت جزءا مواظبا على أحداثه المفصلية الكبرى، وفي الآونة الأخيرة التحقت بالسياسة الأميركية، تجلى ذلك أكثر في الحرب على العراق.

لكنها الآن، وفي ظل حضور أميركي باهت في المنطقة، تزداد وتيرته مع السنوات، وخالية من ارتباطها المزمن مع السياسة الخارجية الأوروبية، من المرجح أن تتخذ سياسات أكثر استقلالية وميلا للمصلحة القومية البريطانية، لكنها في المقابل ستكون عرضة لحالة الاستقطاب التي تخيّم على المنطقة وترجيح كفة على أخرى.

تعرضت بريطانيا لحرج دولي، ووقفت مليا وعن قرب على جرأة السلوك الإيراني السلبي في إيذاء التفاهمات الدولية، عندما احتجز الحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط البريطانية “ستينا إمبيرو” لدى عبورها مضيق هرمز، وانتهت الأزمة بإطلاق عملية تقودها الولايات المتحدة لحماية السفن التي تدخل الخليج، مع استمرار إيران في تصرفاتها الاستفزازية.

لكن هذا لا يجعل من بريطانيا بالضرورة خصما مصمّما على تقويض نفوذ إيران بل ضمن من يرغب في الاستفادة من حالة التوتر في المنطقة لحيازة المكاسب والعقود، لأن طابع التدخل الدولي اقتصادي بالأساس، وليس في وارد أحد أن يتحمل مسؤولية أمنه واستقراره إلا في حده الأدنى، لما في ذلك من تكاليف عالية.

بريطانيا بالمحصلة، مهتمة بتحقيق مصلحتها أولا، وستؤول جهودها إلى دعم اتفاق نووي تتبناه الولايات المتحدة يكون مربحا للجميع، وليس ملبّيا بالضرورة لمخاوف ومصالح دول المنطقة

في إطار توجهها ولزيادة فعالية دورها المرتقب، ‏أعلن مكتب رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون تعيين إدوارد ليستر مبعوثا خاصا جديدا لمنطقة الخليج، مشيرا إلى أن التعيين في إطار طموح لندن إلى تحقيق تحديث شامل للعلاقات مع الخليج.

في الآونة الأخيرة، أبدت بريطانيا مواقف متقاربة مع وجهة النظر الخليجية، إذ انضمت إلى فرنسا وألمانيا معربة عن قلقها من إنتاج إيران لمعدن اليورانيوم في انتهاك للاتفاق النووي، وقالت إنه يجب على إيران أن تعود إلى الالتزام بالاتفاق النووي وتتوقف عن تقويض فرص استعادة الدبلوماسية.

وبشأن الأزمة اليمنية شجب سفير لندن في اليمن سلوك الحوثيون، وقال إنهم يعملون على تغيير المجتمع اليمني ويدفعونه إلى التطرف، وأن قيام إيران بتسليح الحوثيين مشكلة كبيرة.

من الناحية العملية، رفض وزراء بريطانيون مسألة تعليق مبيعات المملكة المتحدة الأسلحة للسعودية، مؤكدين أن بلادهم تتخذ قراراتها الخاصة بشأن بيع الأسلحة، وليس وفق قرارات الدول الأخرى، وكشفت الأرقام عن تصدير بريطانيا لما يقرب من 1.9 مليارات دولار من الأسلحة إلى السعودية بعد استئنافها في يوليو الماضي.

وأشادت بريطانيا بنتائج قمة مجلس التعاون الخليجي في مدينة العلا السعودية التي خلصت إلى إنهاء الأزمة واستئناف العلاقات بين قطر ودول المقاطعة، واعتبر وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب أن “الاتفاق خطوة مهمّة نحو استعادة وحدة الخليج ما يحظى بأهمية قصوى بالنسبة إلى أمن واستقرار المنطقة”.

سواء كانت مواقف ترضية ومجاملات بروتوكولية، أو كانت التزاما حقيقيا من لندن، فإن استثمارها من طرف دول الخليج، مهمّ لتقوية جانبهم، وزيادة فعالية المواقف التي تتخذ تعبيرا عن وجهة نظرهم في قضايا المنطقة، أمام مجتمع دولي تشوبه الكثير من التحوّرات المريبة وغير المريحة إزاء هواجس ومآخذ دول المنطقة وعواصمها العربية.

وليكن الحديث واقعيا، تبحث واشنطن عن اختبار طرق جديدة لإثناء أو إبطاء البرنامج النووي الإيراني، رغم أن الكثير من التردّد والتعنّت يعرقل المهمة، لكن واشنطن مصرّة ومتمسكة بالتعامل مع الملف عن طريق الحوار وإغراء طهران له، حتى لو تسبب ذلك في استباحة الأخيرة للمنطقة.

بريطانيا بالمحصلة، مهتمة بتحقيق مصلحتها أولا، وستؤول جهودها إلى دعم اتفاق نووي تتبناه الولايات المتحدة يكون مربحا للجميع، وليس ملبّيا بالضرورة لمخاوف ومصالح دول المنطقة، ولن تتجشم عناء مساومة واشنطن ولا الوقوف بوجه مجتمع دولي مصرّ ومتعجّل، والتضحية بذلك في سبيل منطقة تفقد أوراق اللعب وتشعر بمجرد القلق من إمضاء الاتفاق بمنأى عن وجهة نظرها.

بالإضافة إلى تقوية الجبهة الداخلية، وإبرام تكتل إقليمي يضم دولا كانت في خانة المحرم والممنوع سلفا، فإن سعي دول الخليج إلى تقوية جانبها واستقطاب أوراق ضغط وعواصم دولية تلتزم بوجهة نظرها وترتبط بمصالح مفيدة ووثيقة معها، يصبّ في صالح المنطقة وأمن واستقرار حواضرها وشعوبها.