صالح علي باراس يكتب:

مداخل اليمننة للهيمنة على الجنوب

سنعرض لبعض مداخل اليمننة التي يجب أن نسدّها وطنيا وسياسيا في الجنوب، فلا أحد يصدّق من الجنوبيين أنه شريك معهم في اليمننة الوطنية إلا على قول التهامي:

العسل عندنا والبصل عندكم

والبصل أكلنا والعسل أكلكم

 فدهاء الزيدية ليس في مذهبيتها  بل الأخطر المركز المقدس للهيمنة، الذي يمتص حياة الآخرين بالسيطرة على السلطة والنفوذ والثروة، فعندما استشعرت إفلاس الخطاب الطائفي بأنه ضامن لسلطتها ونفوذها في بداية القرن الماضي جعلت اليمننة خطابا جامعا وحشدت فيه المناطق التي هزمتها وأذلّتها تاريخيا لتكون وقودا لمشروعها، بينما انعكس لها الخطاب بشكل سلطة وثروة، ولما انهزمت بانقلاب 26 سبتمبر تحوّل إلى عصبويتها الزيدية، وتُعاد الكرة الآن بالهيمنة إما بالطائفية الحوثية الزيدية أو بالإخوانية العصبوية الزيدية، وكلاهما تكييفان للسيطرة على السلطة والثروة بين قوتي الزيدية: الطائفية أو العصبوية.

ذاكرتهم التأسيسية للحكم طائفية، وقتالهم للاستئثار بالسلطة والثروة، بحيث لا يخرج من دائرتها لكنهم يتعايشون مع الخلاف والاختلاف والتعارض بل والعداء، فعقليتهم تتقبّل التكتكة كأمر واقع وتشرعنه عسكريا وسياسيا وحتى دينيا، انهزموا من صنعاء وعمران.. إلخ وقالوا: "حقنًا لدماء المسلمين، وعلى الكل ان يتقبّله أمرا واقعا لا مساءلة فيه".

أما البلاد والمحافظات التي يريدون أن يسيطروا على سلطتها وثروتها - إما بعصبويتهم أو بطائفيتهم - فإن المعارك فيها معارك لحمى الإسلام ، وقادسية العرب، تدمير صنعاء لا يجوز لأنها إرث حضاري أما عدن فدمروها..إلخ ولذا فهم يقبلون مشروع الحوثي بصفويته وسيقبلون مشروع الإخوان من منطلق أنه يحمي مصالح العصبوية ولأنه مشروع مخدّر للمناطق التي يجوز الحرب فيها وتدميرها، كما يتقبلون الطائفية من منطلق الهزيمة التاريخية لتلك المناطق.

تلك الهيمنة التاريخية خلقت ثقافة تعايش المهزوم والمنتصر وخلق إطار للمهزوم يشعره أنه شريك لا مهزوم عبر خطابات الأحزاب سواء الميمننة أو المؤسلمة. 

الجنوبيون تستفزهم الطائفية ولا يقبلونها، لكن وضعهم مختلف تماماً، فممكن أن تيارا أو حتى تيارات فيهم تستعين بالغريب عندما يتأكد أن رؤيتهم ليس لها مقبولية في الجنوب ويرفض أن ينسّق مع القريب، وهذا خلل غريب، والأغرب معرفتهم أن خلاف الشماليين على ثروة الجنوب وسلطته وأن من يستعين بهم يريدونه "محلل" ضد الجنوبي الآخر ولإعادة الهيمنة على الجميع، وبعد "خراب مالطة" يصحو ويضع المبررات التي خدعته بالشماليين.

أخطر المداخل الآن هي الأحزاب الأيديولوجية ذات الأيديولوجيا، سواء القومية أو ممن لا زالت تضع الجنوب جزءا من يمننة اليمن أو الإسلامية ومداخلها، عبر ثقافة الانقسامية السياسية التي أدارت الجنوب قرونا من الزمان، وصارت ذاكرة تأسيسية فيهم بما خلقت فيه من عصبويات يستغلها الأعداء لضربهم بها.

ثم تلتها شمولية جعلت اليمننة ركنا وطنيا فيها تقدّم مصلحة جماعتها بيمننتها على ما سواه، شمولية جعلت الآخر التعايش مع ثقافة التعاون مع الغير شيئا طبيعيا.

الأمم لا تتصالح مع أعدائها الوطنيين حتى وإن غُلِبت، وأقصد بعدم التصالح والتسامح أن لا يجب بناء مشروع معه وليس العداء بمعنى ثقافة الكراهية.

ومن المداخل أن الشمولية خلقت في ثقافتنا السياسية قبول المختلف على مضض أو عدم قبوله إلا عبر الأطر! وكنت شاهدًا أنا والأخ صالح علي بلال عام 2013م على أحد رؤساء المكونات حين وُضِعت مبادرة المليون بصمة لتحرير واستقلال الجنوب، وهي مبادرة وضعها نشطاء من محافظة شبوة، وليس من سبب جعله يرفضها إلا أن جزءا من دعمها المالي من إطار جنوبي لا يرضاه، فرفضها لأنها لم تمر عبر "الأطر" حد قوله و"الأطر" هي مكوّنة العتيد، فرفضها بل أشاع مكوّنه أنها ضد الاستقلال.