حميد طولست يكتب:
إذا اردت ان تُطاع فسل ما يستطاع
طبيعي ألا يعترض عاقل على ما أقرته الحكومة من إغلاق للمساجد وحضر التجوال خلال ليالي شهر رمضان المبارك ، في محاولة لكبح تفشي الموجة الثالثة من السلالة البريطانية لكورونا ، والتي توسعت رقعة انتشارها في سبع جهات من البلاد ، اللهم إذا كان المعترض من المستهترين من اصحاب سلوكيات التسيب وعدم اللامبالاة بمصالح هذا الوطن ومواطنيه ..
لكن نفس العاقل الذي لم يعترض على تطبيق القاعدة الشرعية "الضرورات تبيح المحظورات" لصون الحياة الإنسان التي يبيح الحفاظ عليها كل المحظورات ، مصداقا لقوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) البقرة/ 173، سيجد -ذاك العاقل- نفسه مضطرا للإعتراض وبشدة على الحكومة التي مكنت مؤسساتها التلفزية والإداعية من سرقة أهم لحظات تعبده الروحانية ، واهدار سويعات راحة الترفيه والمتعة بالجمال والفن والخيال التي كان ينتظر أن يعيشها خلال ليالي هذا الشهر المبارك ، كفرصة ثمينة للهروب من تغول الوباء و لطرد قلق همومه وأحزانه وما تسبب فيه من إكتئاب ، والذي لا تزيده تلك المحطات التلفزية والإداعية إلا اشتدادا ،بما تقذف به في وجه مشاهديها من تفاهة الكومديا ، وسفاهة الملودراما ، بكل ما تحمله من هزالة مشوهة للأفكار ، وسلبية محرفة للسلوك ، والتي يطلقون عليها تجنيا "دراما رمضان" ، والتي لها في كل شيء إلا في عناصر البناء الدرامي التي حددها أرسطو ، وفي القيم الأخلاقية ، والرسائل الحضارية ، والأهداف التربوية ، والأفكار التنويرية ، وحلول المشاكل المجتمعية ، وغيرها كثير من برامج التجهيل التي يبدو أنها أصبحت وجبة يوميةرمضانية لا تحرك عقلا ، ولا تزكي نفسا ، ولا تسمو بروح أو إنسانية الإنسان ، ولا تلتزمة بفن يهتم بهموم المجتمعات وطموحات الأمم وحرياتها ، والتي يُتجرع المواطن المغلوب على أمره سمومها على شكل مسلسلات الاستخفاف بالعقول والقيم الاجتماعية، وإطفاء شعلة القيم والمعاني الرمضانية ومقاصدها ، التي حبذا لو تأخد حكومتنا الموقرة بمنطق المقولة الشهيرة : "إذا اردت ان تُطاع فسل ما يستطاع" وترفع عن المواطن المكسور ما لم يعد يحتمل مشاهدته من معاناة الاستهتار بعقله واستبلاده ، وذلك حفاظا واتماما لما بُذل من جهود وما حقق من إنجازات في معركة كورونا، وضمانا لإلتزام المواطن بإجراءات المكافحة واستمراره في المقاومة دون اعتراض .
اللهم بلطفك يا لطيف ، احفظ مغربنا واصرف عنه وعن باق بلاد الدنيا هذا الوباء، إنك على كل شيء قدير.