د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
حديث الذكريات (26).. الفن اللحجي والزمن الجميل !!
عندما كنا في سن الصبا نجتمع عصر كل يوم على سوم جربتنا المسماة (الروحا ) في الصعيد وكان أكبرنا سنا محمد سالم فريد ونجتمع حوله وكانت لديه حنجرة ذهبية ويغني لنا في تلك الأيام أغنية (سألت العين ) التي غناها ابن الوهط –لحج – الشاب والفنان الصاعد محمد صالح بن حمدون التي كانت تبثها إذاعة عدن بصوته الشجي في الستينات وهي من كلمات الأمير محسن صالح مهدي ولحنها الأستاذ عبدالله هادي سبيت وقد كانت تلك الأغنية تلهب عواطفنا وتحلق بنا في عالم الحب والشجن والطرب ،وقد كانت فنون لحج الخالدة تنثر عطرها المشبع بروائح الفل والكادي والياسمين والبشام وكل ريحان عطرت الروح اللحجية الجميلة. ولمحافظة لحج تاريخ فني اشتهرت به بفضل أدبائها وشعرائها وفنانيها ومثقفيها والذي سجل فيها الأمير الشاعر أحمد فضل القمندان وعبدالله هادي سبيت وصالح فقيه وفضل محمد اللحجي والأمير عبده عبد الكريم وغيرهم ممن شاركوا في صنع هذا التاريخ الفني الرائع ، وقال الصحفي هشام عطيري :
(وضع اللبنات الأولى للأغنية اللحجية الشاعر والملحن الأمير أحمد فضل القمندان الذي أوجد للأغنية اللحجية الأصيلة طابعها الخاص ولونها الذي يخطف الألباب ثم تعاقب من بعده سلسلة لامعه من الجهابذة الأفذاذ الذين أثروا الأغنية اللحجية بقوالب عديدة ومتنوعة أذهلت الخارج قبل الداخل أمثال : عبدالله هادي سبيت وصالح فقية والنعمان وصالح نصيب والأمير عبده عبد الكريم ومهدي حمدون وعبد الخالق مفتاح وغيرهم الذين اخرجوا العديد من الأصوات الفريدة الخالدة أمثال فيصل علوي وعبد الكريم توفيق وحسن عطاء ومحمد صالح حمدون وعلي سعيد العودي ومهدي درويش)
وغيرها من الأعمال التي رددها الفنانون فضل محمد اللحجي، أحمد يوسف الزبيدي وآخرون.
و الشاعر عبدالله هادي سبيت قد تجلى دوره في الجانب الوطني بالعديد من الروائع إبان الكفاح المسلح ضد الإنجليز منها أغنية ياشاكي السلاح والتي كتبها وأداها بصوته في مسارح عدن وأغنية قرب دورك يا ابن الجنوب والتي تغنى بها أحمد يوسف الزبيدي وأنشودة هنا ردفان التي لحنها وقدمها الفنان محمد مرشد ناجي و العديد من الأعمال التي لازالت في وجدان المواطن في كل مكان. وبين الفنان أحمد فضل ناصر أن الأمير الشاعر محسن صالح مهدي العبدلي لعب دوراً كبيراً في نشر الأغنية اللحجية وتجديد موسيقاها خصوصا عندما كان مرتبطاً بالقسم الموسيقي بإذاعة عدن منذ تأسيسها بالخمسينيات حيث وثق لمعظم فناني لحج العديد من الأعمال والروائع الغنائية اللحجية التي وصلت إلى مسامع الجمهور في الداخل والخارج.
وقال محمد معدان :
بعد ان اخذ الفنان محمد صالح حمدون مفتاح الشهرة من يد الامير الشاعر محسن صالح مهدي والملحن الشاعر عبدالله هادي سبيت برائعتهما( سألت العين حبيبي فين) شعر الامير محسن ولحن الأديب والشاعر والسياسي عبدالله هادي سبيت وبعد الشهرة للأغنية والفنان قبض ابن حمدون صك المجد والشهرة بعد ان ارتفع أسمه في الافق وأخذ يعلو نجمه في سماء الفن ..سالت له اودية الشعراء بسيل من احسن اشعارهم , فقدم له الشاعر والملحن عبدالله سبيت اروع قصيدة عاطفية غنائية وبلحن طربي جميل كله شجن وانين. ارتقت بالأغنية اللحجية بل والعربية الى سماء الفن وقدم له كلاماً ولحناً وطرباً تبكي له الافئدة قبل العيون وتتمايل له الاغصان والورود والزهور وتطرب لسماعه بواسق الحسيني زهوا واعجابا . وترقص بين خمائله حسان الخراعيب. عندما تسمع رائعته الشهيرة والتي تجاوزت العواصم العربية بمطلعها الانيق الحزين.
"ياباهي الجبين كم مرت سنين ونا في انين"
بهذه الكلمات العذبة الرقيقة كانت لحج وعدن وجميع امارات الجنوب العربي تتغنى برائعة ابن سبيت وصوت ابن حمدون الذي تألق بها مثل ما تألق قبلها بأغنية "سألت العين " والتي طارت شهرتها وشهرة الفنان جميع الاقطار العربية بل وتجاوزتها الى خارج النطاق العربي كل ذلك عام 1957م وابن حمدون لم يتجاوز عمره الرابعة عشرة وتقول كلمات الاغنية :
يا باهي الجبين كم مرت سنين
ونا في انين ليلي من بحين
قالوا مستحيل تحظى بالقليل
خذ غيره بديل قلت لهم منين
من غيرك منى قلبي يطفي لوعتي
من ذا يشبهك
يا ذي انته بأ شجاني تسيل دمعتي
هب روحي معك
والأ نه تطول والآه كم تقول بس ياهل الفضول
حبيته وباه مابلقى كماه دور له منين
قالوا عن لحج :
د. محمد عبده غانم يصف بستان الحسيني فيقول : " كان مشبعاً بروائح عطوره المتنوعة, فيُخيل إليك أنك تتنسم نفحات الفل إذا بك تشم عبق الياسمين ممتزجا بأريج الورود, هذا إلى ما في البستان من أطيار مختلفة الألوان والألحان"
وكتب الأستاذ محمد علي لقمان يصف لحج ويقول :
"هي واحة خضراء تفترش بساتينها، أرضها واسعة ممتدة من ضواحي الحوطة عاصمة لحج إلى الخُداد، ومناظرها الطبيعية جذابة، فمن أشجار باسقة وأثمار يانعة وأزهار متفتحة وأريج شذي يعبق بأطيب روائح الورد والنرجس إلى جداول جارية، ونسيم عليل يحمل صهيل الخيل وجعجعة الجمال وثغاء الماعز تحت ظلال الأشجار. والنخل تحمل أطيب الثمر والكاذي والفل يعطر أرجاء البساتين."
ويبدع الشاعر علي محمد لقمان في قصيدة بعنوان (مدرسة لحج) قائلاً:
يا لحج يا روضة الدنيا وبهجتها يا منزل البيض والعسالة الذبل
يا لحج يا منية الآمال فاتنة كالدل في القد أو كالحسن في المُقل
إذا النسيم سرى من فجرك إنبجست منابع الشعر تغريني وتبسم لي
إذا الحسيني غنت لي بلابله فإنني عربي اللحن والغزل
وأغنية سالت العين التي تغنى بها الطفل المعجزة أنداك في أوائل خمسينيات القرن الماضي محمد صالح حمدون وهي من كلمات الأمير محسن صالح مهدي ولحن عبدالله هادي سبيت
وقد كان لي شرف اللقاء بالأمير الشاعر محسن صالح مهدي في احد الأعراس في جده في أوائل الثمانينات وكان شخصية متواضعة وخلق رفيع رحمهم الله جميعا .
د. علوي عمر بن فريد