يوسف الديني يكتب:
الإدارة الأميركية ومأزق إرضاء ملالي إيران
رغم كل ما يقال عن قرب الوصول إلى انفراجة أميركية إيرانية لا تخطئ العين حماسة إدارة الرئيس بايدن لها، فإن ما يحدث الآن هو محاولة ابتلاع أكبر قدر من تلك الحماسة لمنجز توافقي حول رفع العقوبات، والملف النووي مضاد لمقاربة الإدارة السابقة والقطاع العريض من الجمهوريين والمؤسسات الأميركية ذات العلاقة ومعها دول الاعتدال في المنطقة التي ترى ضرورة ربط أي انفراجة أو حوار بتغيير السلوك الإيراني على الأرض.
ما يحدث الآن هو حماسة مضادة من قبل ملالي طهران لاقتناص هذه اللحظة في الترويج لانفراجة لابتلاع أكبر قدر من التسويق للثورة وفاعلية الأذرع، ومحاولة بناء المزيد من الاستثمارات العنفية العابرة لطهران بأجندات حربية وآيديولوجية تستهدف السلام العالمي، وآخرها دعوة قيادات من «الحرس الثوري» لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بضرورة مراجعة السياسات الإقليمية للبلاد بهدف زيادة فاعلية وقوة «الحرس الثوري» وتحديداً بحسب التقرير الذي أعده معهد واشنطن لتحليل السياسات في دول الخليج ومضيق هرمز، وأن هذا التوجه يجب أن يترافق بشكل لا يقل فاعلية عن المسار الدبلوماسي.
بلغة أخرى فإن المأزق اليوم الذي يواجه الإدارة الحالية والديمقراطيين في سعيهم الحثيث لاجتراح منجز توافقي في المنطقة من دون امتلاك أدوات الضغط على طهران وبكثير من اللامبالاة للتحذيرات والصوت العاقل الذي لدول الاعتدال، وفي مقدمتهم السعودية، من أي مقاربة مجتزأة من دون إدراج سلوك طهران على قائمة الأولويات، مجرد إضاعة للوقت وتعريض للأمن العالمي للخطر، وهذا ما تسعى إليه قوى عسكرة الثورة داخل إيران التي تتفوق على أصوات السياسة التي لا يمكن أن تزاحم صوت القوة الأكثر استقطاباً للداخل والخارج. ما تسعى إليه المؤسسة العسكرية الحاكمة في البلاد والشخصيات الفاعلة من الملالي، هو المزيد من عسكرة الحالة الأمنية في المنطقة، وذلك عبر زيادة ميزانيات واقتصادات «فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوري» والذي عبّر عنه بشكل غير موارب متحدثون في «الحرس الثوري» رداً على ظروف بأن السعي النهائي لهم رغم كل ما يقال عن تفاوض هو دمج المصالح الآيديولوجية للثورة الإيرانية مع واقع ومصالح الأطراف التي يتم العمل على استقطابها والفاعلة فيها من اليمن إلى العراق وأفغانستان والعراق ولبنان وسوريا واليمن، وهو ما قاله العميد غلام رضا جلالي فرحاني بشكل صارخ، إذ نقل التقرير عنه قوله رداً على ظريف: «لا يمكن التضحية بالقيم والاستراتيجيات الثورية من أجل تحقيق مكاسب تكتيكية قصيرة المدى تجعل البلاد أكثر ضعفاً»، واصفاً مقاربات ظريف والرئيس روحاني بأنها لا تعدو كونها فلسفة مثالية زائفة.
«صدقك وهو مؤدلج» هو أكثر ما يمكن قوله على هذا الوصف الكاشف للمثالية الزائفة التي تكلف أثماناً باهظة في المنطقة، وهي تنطبق تماماً على مقاربة إدارة الرئيس بايدن الناعمة والتي تستفيد أيضاً من الشره لبعض الأطراف الأوروبية لعودة طهران إلى مربع السوق الاقتصادي.
اللافت أن ثمة مفارقة مثيرة للاستغراب فيما يحدث الآن بين الولايات المتحدة وإيران، حيث يزداد منسوب العسكرة والتشدد في حديث الملالي كلما زاد التودد من قبل إدارة بايدن أو بعض القوى الغربية... يتحدث الإيرانيون عن مفاهيم جديدة اليوم من مشروع الأذرع القوية إلى المقاومة النشطة أى القوة الخشنة، وذلك كله بهدف واحد هو تحصيل أكبر قدر من التنازلات التي من شأنها ترسيخ قوة «الحرس الثوري».
طغيان دور «الحرس الثوري» وتضخمه على حساب المؤسسات السياسية، هو جزء من بنية هويّة نظام الملالي الوطنية الذي لا يمكن بقاء مشروعها بدونه، وهذه حقيقة لا يمكن رفضها بحسب علي شمخاني، أمين «المجلس الأعلى للأمن القومي»، إذ إن كل سياسات الدبلوماسية و«القوة الميدانية» لـ«النظام» لا تتبلور إلا بعد مداولات داخلية مكثفة تستند إلى «المبادئ المحددة للثورة الإسلامية».
الولايات المتحدة والمجتمع الدولي الآن في لحظة فاصلة من تاريخ منطقة الشرق الأوسط والخليج، لكن الإشكالية تبدأ ولا تنتهي من تقييم سياسات الإهمال لسلوك دولة ملالي طهران وأذرعها الحوثي النشط و«حزب الله» الابن المدلل للملالي والمئات من الميليشيات العقائدية والأحزاب العسكرية باسم المقاومة التي زرعتها كألغام لتهديد استقرار المنطقة تحت مرجعية «الحرس الثوري» المعبّر عن هويّة إيران الثورية.
ببساطة، يسعى سلوك إيران إلى الدمج وشرعنة منطق الميليشيا مع منطق الدولة، ومزج المقاومة بالمساومة، والحال أن وضعية المنطقة اليوم تقول لنا بوضوح إن تأثيرات الميليشيات المدعومة من إيران تتجاوز كل ما عرفناه من إرهاب التنظيمات.