حسام الحداد يكتب:
منصات "الرقص على الدماء"
كثيرة هي تلك المحاولات التي تقوم بها جماعة الإخوان الإرهابية لهدم الدولة المصرية عبر بث الأكاذيب والادعاءات، اعتمادا على وسائل التواصل الاجتماعي واسعة الانتشار، فتقوم بحملات تشويه مضللة ومشبوهة، عبر حسابات يديرها مرتزقة، وأخرى وهمية، لتطفو على السطح «ميليشيات أو لجان أو كتائب» تسيطر على العالم الافتراضي، لاسيما عبر مواقع «فيسبوك» و«تويتر» و«تليجرام». إنها تكاد تكون حرباً منظمة، تعلنها الجماعة الإرهابية بتمويلات ضخمة تقف ورائها دول بعينها، للنيل من نظام الدولة والدول القريبة منها، لتتحول الصراعات من استخدام الأسلحة الحربية بكل إمكاناتها، إلى حرب إلكترونية تتكون من تلك الخلايا الإلكترونية والتي ترتدي زي الجنود المجهولين، التي تلاحق المستخدمين، وتحاول السيطرة عليهم عن طريق الإغراء المالي، أو إقناعهم بأيديولوجية متطرفة، يروج لها بعض المدعين والمتاجرين بالدين، من خلف الشاشات الإلكترونية.
ليس آخرها تلك الدعاية السوداء التي تنشرها خلايا الإخوان الإلكترونية والموالين لها حول الأحكام القضائية الأخيرة في قضايا إرهاب ارتكبتها عناصر الإخوان، وغيرها من الأحداث والحوادث التي تستغلها الجماعة وتسعى من خلالها لكسب التعاطف الشعبي فتقوم بترويج الشائعات المختلفة كالاختفاء القصري لبعض عناصرها والذي يتضح بعد ذلك ان تلك العناصر تحارب في سوريا أو مقيمة في تركيا أو السودان، تلك الشائعات والأكاذيب التي تروج لها الجماعة عبر عدد لا باس به من المنصات الإلكترونية المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يمكن تصنيفها إلى:
صفحات ذات محتوى إخباري بعضها ناطقة بلسان جماعة الإخوان المسلمين أو صفحات مستقلة قريبة من تنظيم الإخوان، وهي الصفحات الأكثر انتشارًا من حيث عدد المشتركين فيها ( مثل: موقع شبكة رصد، شبكة خبر، شبكة أخبار الإخوان المسلمين، شبكة ناشرون الإخبارية، إخوان أون لاين).
الصفحات الرسمية المتحدثة بلسان الجماعة ( مثل: التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب، والصفحة الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين، وغيرها).
صفحات ذات طبيعة اجتماعية تتضمن نقاشات، ومنشورات دعائية (مثل: رابطة محبي جماعة الإخوان المسلمين، افتكاسات إخوان).
صفحات متحدثة بلسان قيادات الجماعة وبعض الشخصيات البارزة يديرها بعض الشباب (مثل: صفحة محمد مرسي، وصفحة محمد بديع، وصفحة مهدي عاكف وغيرها).
صفحات للتضامن مع أحد المعتقلين من الجماعة أو ضد أحكام الإعدام أو سجن أحد أفراد الجماعة.
صفحات التحريض، وهي صفحات تتضمن محتوى ضد الدولة، وتتضمن دعوات لتنظيم التظاهرات والوقفات الاحتجاجية (مثل صفحات: ألتراس نهضاوي، وربعاوية، وشباب المطرية ضد الانقلاب وغيرها، والتحالف الثوري).
صفحات مجموعات العنف العشوائي، وهي الصفحات التي تتضمن منشورات مجموعات العنف العشوائي، وتتضمن ترويجًا لعمليات العنف التي قامت بها، ودعوات للمشاركة، ودعوات تحريضية على العنف، وتعرض طرق لصنع القنابل واستراتيجيات العنف العشوائي، وبيانات ضباط شرطة وجيش ( مثل صفحات: مولوتوف، والعقاب الثوري، والإرهابي، وولع وغيرها).
صفحات فردية يقوم بإنشائها أحد أعضاء الجماعة أو المتعاطفين معها، وهي شديدة الانتشار، ويتباين محتواها بتباين القائم عليها، فمنها صفحات تدعو للعنف، وصفحات للنقد السياسي.
ويؤكد العديد من اساتذة الإعلام وعلى رأسهم الدكتور صفوت العالم أن الجماعة الإرهابية لديها مجندون مخصصون لنشر الأكاذيب والشائعات بطريقة ممنهجة ومنظمة، للسيطرة على النقاط التي يتم نشرها، في ظل اختفاء رؤية حقيقية وواضحة للرد على الدعاية المضادة.
فالجماعة تقوم من خلال لجانها الالكترونية بتجييش الشباب وتجنيدهم بالأجر لنشر الشائعات والاكاذيب والهجوم على الدولة المصرية، ويظنون أنهم بارعون في نصب الكمائن، كضباع خسيسة، أو ثعالب خبيثة، وهم لا يقومون فقط بهذه الاعمال من خلال لجانهم الالكترونية بل أيضا يقومون بالهجوم على الكتاب أو السياسيين أو المعارضين، بالسب والقذف وما يقولونه يصل في هذا العالم المفتوح بلا سدود ولا حدود.
ولا شك أن جملة التحولات في فضاء الإعلام بكل وسائطه لن تقف عند حدوده القائمة الآن، وقد حققت وسائط الفضاء الافتراضي أكبر التحديات للإعلام التقليدي حيث حقق اختراقاً لم يكن متوقعاً، مما مثل الأداة الأمثل توظيفاً دون تبعات المحاسبة القانونية أو الأدبية. وتعد تلك الوسائط السلاح الأمضى في ترسانة المال السياسي. وهي في نفس الوقت عالية النفاذ إلى الجمهور ولا تحتاج إلى إجازة رقيب، وحتى الإعلام التقليدي بات متأثراً لا مؤثراً بعد أن بات أكثر اعتماداً على المال السياسي مما أدى إلى تراجع مكانته وإيراداته.
وكما يؤكد الكاتب السياسي البحريني عبد الله الجنيد أنه نتيجة لخاصية الاختراق، فإن جميع الدول فقدت قدراتها التقليدية في احتواء مثل تلك الحملات، لأن القائمين عليها أكثر برجماتية ويملكون القدرة على تنفيذ خططهم بأكثر من لغة في نفس الوقت، في حين تعمد دولنا الى الاعتماد على لغة واحدة هي العربية، وفي حال توافر لغات أخرى، فإن القائمين عليها من غير مواطنيها.
وقد اتجهت جماعة الإخوان بداية من 2003، وكثير من الجماعات المتطرفة والإرهابية إلى إنشاء خلايا وكتائب إلكترونية، تسعى من خلالها إلى التأثير على الرأي العام بنشر الشائعات وبث الفتن وترويج الأكاذيب عبر الشبكات الاجتماعية لتحقيق أهداف خبيثة تسعى من خلالها إلى تحقيق مكاسب سياسية، فتشكلت بذلك جبهة حرب حقيقية موازية، تكون ساحة القتال فيها هي مواقع التواصل الاجتماعي، وأدوات القتال هي الفكرة والمعلومة والصورة والفيديو، فضلاً عن توظيف برامج الكمبيوتر في إنشاء حسابات إلكترونية مزيفة لخلق رأي عام مزيف ودفع بعض الأفراد للتغريد حوله لكي يبدو حقيقياً.
تلك الكتائب عبارة عن مجموعة من الأشخاص المنظمين والمدربين على استخدام التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال، يتميزون بكثافة نشاطهم وتواجدهم على مواقع التواصل، ويتم إمدادهم بالمعلومات المغلوطة بهدف نشرها عبر متابعيهم ومستخدمي هذه المواقع، وتكون مهمتهم الرئيسة هي تشويه صورة الدولة ونظامها السياسي ومن هم في مكان صنع القرار، وذلك عبر التضليل الإعلامي وبث المواد التحريضية والداعية لشق الصف بين فئات المجتمع المختلفة، ونشر الشائعات التي تهدف دائماً لخلق حالة لا نهائية من عدم الاستقرار، سواء بنشر مقالات أو أخبار كاذبة أو استخدام صور غير حقيقية معدلة ببرامج مثل «الفوتوشوب»، بل يذهب المضللون أحياناً لاستخدام صور حقيقية لا تخص القضية المثُارة أساساً بغرض الترويج لإحداث عنف أو فتنة مجتمعية.
وهنا يصعب على المستخدم التفرقة بين المعلومة والإشاعة، كما يصعب التأكد من صدق المعلومة، ويصعب التحقق من كذب الإشاعة، ومن ثم تنتشر معلومات خاطئة بين الأفراد، قد تستهدف دولاً بعينها أو تتناول شخصيات سياسية أو رموزاً مجتمعية أو قضايا سياسية، أو معلومات اقتصادية يترتب عليها خسائر مالية، وفي نفس الوقت يصعب تحجيم نطاق هذه الإشاعات، وفي حالة نفيها أو الرغبة في تصحيحها، فإن المعلومة الصحيحة لا تجد نفس مستوى الانتشار الذي بدأت به الإشاعة.
وبداية 2011، بدأت جماعة الإخوان الإرهابية في استقطاب مجموعة من القنوات التي تنفث السموم عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أن تلك الفترة أتاحت الفرصة للتوحش في عالم «السوشيال ميديا»، نتيجة الانفلات الأمني الذي كانت تعاني منه البلاد، فعكفت كتائب الإخوان الإلكترونية على بناء إمبراطورتيها الواهية في عالم الفضاء الإلكتروني، من خلال التعدد في إنشاء الصفحات الإلكترونية خاصة على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، نظرا لأنه الموقع الأكثر تجمعا للمصريين.
وربما كان للتنوع الذى قامت به دور كبير في التستر، ونشر الأكاذيب عبر الشبكة العنكبوتية، فما بين صفحات اعتمدت على آلام الناس في جذب جمهورها، والتفاعل مع قصص فردية، وفى بعض الأحيان مفبركة، وما بين صفحات تنشر الفيديوهات والصور التي يقوم مستخدمو «السوشيال ميديا» بتزويدهم بها، وأخرى تعتمد على الفكاهة، ونشر النكات، وأخرى تعتمد على نشر رسائل الحب، والأدعية الدينية، والمسابقات الإسلامية، تعددت صفحات الإخوان في الفضاء الإلكتروني، إلى أن جاء يوم التحول الأول، في انتخابات الرئاسة «2012»، كانت تلك هي المرة الأولى التي تفتضح فيها حقيقة بعض تلك الصفحات، بالدعاية التي نشرت للمعزول «محمد مرسى»، استمرت تلك الصفحات على مدار عام كامل في النشر لقرارات ونجاحات زعيمهم- المزعوم من وجهة نظرهم- إلى أن ثار الشعب المصري على الجماعة وذيولها.
في أعقاب فشلهم، وعودتهم إلى أصولهم الدموية، روجت تلك الصفحات بشكل مباشر لدعاة الدم، حتى تمت استعادة الدولة، وعادت تلك الصفحات لأصولها والتستر، وبدأت الجماعة في ضخ المزيد من التمويلات لكتائبها الإلكترونية، وصناعة صفحات جديدة تتستر خلف الأضواء، وكعادة المصريين تناسوا سموم تلك الصفحات، وتفاعلوا مع «الرسائل» الفكاهية والإنسانية، التي تعتمد على الضحك، وآلام المواطنين.
الفكر الاستراتيجي للجماعة جعل حربها تعمل على محورين متصلين، الأول: توجيه السلاح، وأذرعها الإرهابية إلى الجنود والمدنيين، ومحاولة الوقيعة بين المسلمين والمسيحيين، وزرع الفتنة الطائفية، والثانى: تسليط الكتائب الإلكترونية، وجعلها تضخم تلك الأزمات، بهدف تصدير رسالة مفادها عجز الدولة.
كان لتطبيق تلك الأليات هدف واضح هو سقوط مصر، وتفتيت الدولة، لكن الرئيس عبدالفتاح السيسي كان يعي جيدا مخطط الجماعة الإرهابية، وربما كانت سيطرته على العمليات الإرهابية وإيقافها بشكل تام، هي الدافع الرئيسي للجماعة للتحول إلى المخطط التالي، فمع عجز الجماعة عن تنفيذ عمليات إرهابية، وعجزها عن تشويه مصر دوليا، عقب انكشاف حقيقتهم، وافتضاح أمرهم أمام الرأي العام الدولي، وحظرهم في بعض الدول، بدأت الجماعة ترقص على دماء المصريين، في كل المحافل العربية والدولية، من خلال استغلال الأخبار والمعلومات الموثقة للحكومة، وتحويلها إلى أزمات، عن طريق دمج الواقع بالأكاذيب، للخروج بشائعة مفادها أن مصر تعانى من أزمة ما، وأن الدولة تنصب كمينا للمواطنين، وتزج بهم في غياهب الظلمات، حتى أنهم في بعض الأحيان يستغلون مقاطع فيديو وفبركتها للوصول إلى هدف معين.
ومن أجل مواجهة تلك المخططات والكتائب الإلكترونية وأكاذيبها واحتواء مخاطر هذا الإعلام الإلكتروني المعادي، علينا أولاً: إقناع القائمين على الإعلام بضرورة التخلي عن التقليدية في عالم لم يعد تقليدياً، ثانياً: ضرورة التخلي عن تكيف المحتوى والتحول إلى صناعة المحتوى وبأكثر من لغة، بحيث نقوم بإعداد كوادر وطنية، فحسب الإحصائيات الخاصة بالإعلام فنحن نستثمر أكثر من 80% من مواردنا المخصصة للإعلام الموجه للداخل لا للخارج، وأن 90% منه تقريباً هو باللغة العربية، التي تخاطبنا نحن فقط، لذا علينا أن نقتنع بضرورة تطوير الطاقات الوطنية الشابة القادرة على صناعة محتوى بأكثر من لغة، بحيث يتناسب مع روح وتطور العصر، فنحن نعيش في عالم فقد فيه الخبر قدرته على الجذب، لذلك تحول الإعلام المسيس من توظيف الإثارة الى تصنيع الإثارة، ومن خلال ذلك التصنيع يتم تمرير أدوات الاستهداف بوتيرة متصاعدة لتحقيق مبتغيات الاستهداف.