وليد ناصر الماس يكتب لـ(اليوم الثامن):
الجنوب من دولة إلى أقلية...من يتحمل المسؤولية!!!..
كم هي مؤلمة تلك الأحداث التي عاشها البلد الجنوبي ومزقته كل ممزق، وأوصلته إلى مثواه الأخير وماهو عليه اليوم من فقر وجهل وتخلف وتعصب حزبي وتكتلات واقتتال.
بالعودة إلى بعض تلك المشاهد المريرة يعتبر الراحل محمد صالح مطيع من أبرز القادة والسياسيين في الجنوب المتسمين بالمرونة والاعتدال وسعة الأفق، ويحمل طموحات عريضة وبناءة لبناء بلده الجنوبي للخروج به من عنق زجاجة الصراعات والولاءات غير الهادفة، ولقد اُغتيل الرجل بطريقة بشعة لا تمت بصلة للإنسانية والقيم والمبادى الدولية، تورط في عملية التخلص منه قائد عسكري بارز بالتنسيق مع المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني، بفعل خلاف بسيط نشب بين مطيع والقائد العسكري حول الاستحقاق لمنصب أو بعض المناصب المدنية.
الحقيقة الصادمة لم تكن حينها الجنوب دولة مدنية يحكمها القانون ومعيار الكفاءة، بل تدار وفقا للعقلية العسكرية والتعصب المناطقي البغيض، فالقوي يقضي فيها على الضعيف، فلم يكن من هم لمن وصلوا للسلطة سوى البقاء فيها وتعميق نفوذهم، ولم يكن لديهم أي تفكير أو اهتمام بما تمثله تلك الصراعات الدموية من تداعيات خطيرة على مستقبل بلدهم وموقعه الاستراتيجي وما يحتوية من مؤهلات ومقدرات.
الانقلابات والصراعات الدموية كانت السمة البارزة حينذاك، وكل واقعة دموية تؤسس لواقعة أسوأ منها وأكثر فداحة ودموية، إلى ان جاءت أحداث 1986م التي لم تتفرد عن سابقاتها سوى بالحجم الهائل لأعداد الضحايا ومستوى الدمار والتمزق الذي أصاب الجسد الوطني للأشقاء، حتى بات كل طرف يخون الآخر ويوغل في ظلمه وإقصاءه.
مؤلمة جدا أحداث يناير 1986م ولكننا لا نستطيع تحميلها الطرف الخاسر، فكما أسلفنا هذه الأحداث تولدت وفقا لمعطيات ومقدمات مشابهة، فكل طرف كان يبيت المكر والغدر بالآخر، وان لم يبدأها الخاسرون سيبادر بها المنتصرون، سيما في حقبة دموية عاشها البلد الجنوبي لا صوت يعلو فيها على أصوات التهديد والوعيد وعبارات التصريح والتلميح بقتل الخصوم وإزاحتهم من المشهد السياسي. الرئيس ناصر تعرض لعدة محاولات للاغتيال، وكان يعلم ما يدبره ويحيكه الطرف الآخر، حين بات العديد من الرموز العسكرية لا يتورعون عن المجاهرة بالتخلص من الخصوم بعيدا عن معايير الاستحقاق والتغيير بالأساليب الديمقراطية التي لا يفقهون منها سوى الاسم وما تردده ألسنتهم من شعارات.
بعد العام 1986م ضاقت دائرة المشاركة وقيادة البلاد واقتصرت على أبناء محافظة لحج، أذ أصبح معظم قادة الجيش من مديريات يافع والضالع وردفان (المثلث)، إلا ان الأمور لم تستتب لهم، فكشر الشر عن أنيابه وبدأ الخلاف يعصف بالشركاء الجدد، وظهرت إلى السطح خلافات حادة بين قيادات الضالع وقيادات يافع، وأخذ كل طرف يتمترس حول انصاره من أبناء منطقته، وبدا الانقسام جليا داخل المؤسسة العسكرية، حيث بدأت تبرز معالم حرب أهلية وشيكة بين المنطقتين أشبه بأحداث 1986م، الأمر الذي حدا بعلي سالم البيض الرئيس الجنوبي يومها بتسريع خطوات الوحدة مع الشمال وتعجيل الاندماج تفاديا لحدوث صراع دموي جديد.
بعد ذلك الإرث الواسع والثقيل من التمزق والتفتت الذي عاشه البلد الجنوبي في المراحل المنصرمة، باتت المرحلة الراهنة تتطلب المزيد من التقارب والتلاحم الحقيقي بين أبناء البلد، بعدم تكرار الأخطاء السابقة ونبذ أشكال التعالي والتعصب والتقليل من أدوار الآخر، فالأوطان لا تُبنى إلا بسواعد أبنائها كل أبنائها.