د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
كيف ضاعت هوية الجنوب العربي.. إعلان قيام الوحدة اليمنية (5-5)
بعد انهيار الدولة والحزب الاشتراكي نتيجة أحداث 13 يناير المأساوية عام 1986م التي حصدت اكثر من 10 آلاف قتيل وجريح من أبناء الجنوب في حرب مناطقية مغلفه بشعارات رفعتها القبائل الماركسية، وخسائر مادية جسيمة.
وتخلي الحلفاء التقليديين عن النظام الماركسي في عدن وخاصة الاتحاد السوفيتي المنهار هو الآخر الذي بدأت ملامح تفككه تلوح في الأفق ومعه باقي منظومة بلدان أوربا الشرقية التي عادت إلى هويتها التاريخية كجزء لا يتجزأ من أوربا بعد أن سكنت رياح الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي.
وبعد حرب يناير تنفس الجنوبيون الصعداء خاصة عام 1990م للخروج من خلف الستار الحديدي الذي فرض عليهم في الفترة من عام 1967م-1990م، وسابقوا أحلامهم الساذجة للخروج من خلف قضبان الدولة الحديدية في الجنوب إلى وحدة يمنية اعتقدوا بعواطفهم البسيطة وحسن نواياهم أنها ستكون أفضل من النظام الدموي القمعي في الجنوب!!!!.
وفي الوقت نفسه كان علي سالم البيض أمام خيارات صعبة لم يستطع تجاوزها بسبب رؤيته السياسية القاصرة وعدم حنكته السياسية، وبدلا من أن يتجه للمصالحة مع المكونات الجنوبية في الداخل والخارج بما في ذلك الأحزاب السياسية وينهي حواجز الكراهية والعداء المزمن معها.. وهي منتشرة في دول الإقليم بدلا من التصالح معها واحتوائها بعد انهيار الدولة في الجنوب.. والعمل في الوقت نفسه على فتح صفحة جديدة تقوم على الثقة وحسن الجوار والاحترام المتبادل لسيادة الجنوب وتطبيع العلاقات مع دول الخليج.. وهي القادرة لمد يد العون للجنوب ومساعدته للخروج من محنته وإعادة إعماره ..!!
إلا انه عاد للتمادي في أحلامه التي تراوده في اليقظة والمنام بأن حزبه الاشتراكي الطليعي سيتمكن من حكم اليمن بأسره بالإضافة إلى الجنوب .. أو هكذا كان يوحي له أزلامه اليمنيون ..!!
وفي الوقت نفسه كان لزاماً عليه مهادنة حكومة علي عبدالله صالح في اليمن التي تتربص به خاصة وهي تحشد آلاف العسكريين وكبار رجال الزمرة بقيادة علي ناصر محمد.. الذين سيستخدمهم نظام صالح لاحقا كورقة ضغط رابحة ضد رفاقهم من بقايا الطغمة المنتصرة في حرب13 يناير 1986م في عدن..!!
ورغم تحذير عدة شخصيات جنوبية للبيض من مغبة الاندفاع نحو الوحدة الاندماجية مع اليمن.. إلا انه أصر على رأيه وقبل بمقترح صنعاء بقيام وحدة اندماجية في مايو 1990م.
وقد زار عدن سمو الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي رحمه الله قبل إعلان الوحدة واجتمع مع أعضاء المكتب السياسي للحزب الاشتراكي وحذرهم من الوحدة الاندماجية المتسرعة مع اليمنيين، وقال لهم:
" نحن في السعودية عجنا وخبزنا الشماليين طوال "40" عاما، ولم ينضجوا تماما وهم مثل اللحمة التي توضع في الرماد وانا احذركم منهم ...!! فردوا عليه بالقول :
- الوحدة اليمنية قدر ومصير ولن نتراجع عنها !
- فقال لهم: إذن اجعلوا لكم مخرجا من هذه الوحدة إذا لم تناسبكم؟؟!!!
ولم يقبلوا نصيحة الأمير سعود الفيصل !!
و أبو واستكبروا في فورة الحماس والعواطف الجياشة !!
ثم زار عدن وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية ونصحهم بالتروي، وكرر عليهم نصيحة الأمير سعود الفيصل ولكنهم كابروا وأبوا ..!!
وتم التوقيع على الوحدة الاندماجية لفترة انتقالية مدتها سنتين ونصف على أن تجري في نهاية الفترة انتخابات عامه والفائز فيها يشكل الحكومة والبرلمان.
وتحالف المؤتمر والإصلاح معا ضد الاشتراكي وحققا الهدف وسيطرا على البرلمان والحكومة، وبعدها بدأت مأساة الجنوب.. عندما قام رجال الدين بتكفير الحزب الاشتراكي وبدأت أعمال الاغتيالات ضد كوادره حيث سقط منهم 150 رجلا، من كوادر الحزب وتأزمت الأوضاع بين شركاء الوحدة .
وذهب البيض للاعتكاف في عدن.. وتدخلت أطراف عربية عدة..
وكحل للأزمة تم صياغة وثيقة العهد والاتفاق في عمان وحضر ممثلو كافة الأحزاب اليمنية وعلي صالح والبيض، وتم توقيع الوثيقة برعاية الملك حسين عام 1994م،
وعاد البيض إلى الرياض ثم إلى عدن في حين عاد صالح إلى صنعاء وبدأ بشن الحرب في ابريل عام 1994م وتفجرت الحرب في عمران وذمار على الألوية العسكرية الجنوبية وتمت إبادتها !!
ثم دارت رحى الحرب بين الشمال والجنوب واستمرت سبعون يوما.. وقام صالح بدفع كافة العسكريين من الزمرة المنهزمة التابعة لعلي ناصر محمد لديه منذ حرب 1986م في عدن بقيادة الحرب على الجنوب لتصفية حساباتهم مع البيض وجماعته وضرب عصفورين بحجر واحد وتم لهم مع القوات اليمنية احتلال عدن في 7 يوليو 1994م.
انتهى
بقلم د. علوي عمر بن فريد