بظهور الإسلام تغيرت الطبيعة السياسية للممالك والدول التي دخل ملوكها في الإسلام، واصطبغت الدول بالصبغة الإسلامية، فذوبت الدول في واحدية العقيدة ومركزية العاصمة الإسلامية في المدينة المنورة حتى انتقلت إلى دمشق مع الأمويين ثم بغداد عاصمة العباسيين، في القرن الثالث الهجري وبعد سقوط الدولة الأموية ومع تشكل العباسية كانت منطقة جنوب شبه الجزيرة العربية تخوض إفرازات طارئة شكلها ظهور النزعة اليمانية العرقية التي سجلها الهمداني صاحب كتاب (صفة جزيرة العرب)، وهو أحد كتب التراث التي لم تراجع وتدقق بمعايير العقل والمنطق، وترك كما تركت غيره من كتب التراث تحمل الأخطاء بل والرزايا وتحتاج لمراجعات وتدقيق.
سياقات التاريخ بالممالك القديمة وما يسمى (الأقيال) أي الملوك في كل ما هو جنوب الكعبة المشرفة في الواقع لا يمثل واحدية دولة أو قومية بغير الاستناد لمراجع كمرجعية الهمداني التي تبعث واحدية الفكرة القومية اليمنية المزعومة لعل وعسى أنها تستر عورة الحقيقة الفاجعة. فاليمن المعاصر أمام انكشاف مع ذاته قبل انكشاف أمام أقرانه العرب ومن بعدهم العالم الذي يرى هذه البلاد بلا هوية سياسية. فلا هي إمامة ولا مملكة ولا جمهورية إنما بلاد من القرون الأولى تتصارع فيها القبائل القديمة على السلطة والثروة والنفوذ وجني الأموال من الناس تحت ذرائع زالت وانتهت، إلا في هذه البلاد اليمانية.
النخب اليمانية تتداول فكرة القومية اليمنية ببعث واحدية لم تكن يوماً موجودة فكيف يمكن استحداثها في القرن الحادي والعشرين حيث العقل والذكاء الاصطناعي، افتراضية الواحدية لقومية خصمها القرشيون وأسلافهم من بني هاشم هو تأسيس لصراع لم تعرفه الأمة إلا في محاولة قريش اجتثاث بني هاشم عندما عزلتهم وقاطعتهم في شعاب مكة رفضاً وكفراً بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم وانتهت بنصرته من الله بمعجزة تآكل وثيقة المقاطعة وبقاء لفظ (باسمك اللهم).
الدعوة للقومية اليمنية بواحدية اجتثاث العرق الهاشمي دعوة مستحدثة لم تعرف في التاريخ، وهي تؤسس لعصبيات مهددة للسلم المجتمعي في الدول الوطنية القائمة في شبه جزيرة العرب، حيث ينتشر الهواشم ويتعايشون ضمن مجتمعات تؤمن بالمواطنة، كما أن دعوة القومية اليمنية تهدد الدول المحاذية لليمن وهي المشتملة في عموم شبه الجزيرة العربية، لا يجب على اليمنيين وهم يعيشون واقعية الفشل السياسي أن يختلفوا صراعاً عرقياً يضاف لجملة من صراعاتهم التاريخية المستدامة، الفشل في إنشاء الدولة اليمنية يتطلب شجاعة ذاتية للإقرار بالأخطاء والانطلاق نحو استجماع الهوية الوطنية الجامعة والعمل باجتهاد للبناء وفقاً لقواعد وطنية معاصرة وموضوعية.