لن يعود العرب إلى ما قبل ٢ آب/اغسطس ١٩٩٠ لم تكن مجرد مقولة تتردد يوم الغزو العراقي لدولة الكويت لأن ما حدث كان زلزالاً شديداً معه تغيرت تضاريس السياسة في الشرق الأوسط فالحدث كان مدمراً وما تلاه من استقطابات سياسية حادة صنعت التشكيل السياسي العميق في الوجدان القومي العربي الذي كان يعاني من أزمة نكسة يونيو ١٩٦٧ وهي الهزيمة التي شكلت الارتداد في عمق العقل العربي واخضعته لهزيمة نفسية نتيجة الانكسار المعنوي.
برغم مرور السنوات على تلك الواقعة غير أنها مازالت ارتداداتها ممتدة على أن محاولات ترميم العلاقات السياسية بين الأنظمة تبدو في وضع أفضل منها في ذاكرة الشعوب العربية، ما حدث كما يقول أحد الساسة اليمنيين أن بلاده كانت ذات حظ عاثر كعادتها فلقد صادف غزو العراق للكويت أن اليمن كان له مقعد في مجلس الأمن الدولي ولعل من المفارقات في ذلك أن المقعد كان من نصيب اليمن الجنوبي الذي كان قبل أشهر مستقلاً والوحدة اليمنية منحت صنعاء المقعد وحق التصويت التاريخي في مجلس الأمن على سلسلة قرارات أممية كان اليمن فيها بين معترض وممتنع عن التصويت.
الانقسام السياسي العربي كان شاهراً وشاهداً في مؤتمر القمة العربي الذي انعقد في مقر الجامعة العربية بالقاهرة التي هي أيضاً كانت للتو عادت للجامعة العربية بعد سنوات القطيعة على أثر قرار مصر عقد اتفاق السلام مع اسرائيل مما ترتب عليه نقل مقر الجامعة إلى تونس والقطيعة العربية مع الدولة المصرية حتى قمة بغداد ١٩٨٩ التي استعادت فيها مصر مقعدها ومقرها الذي شهد الجلسة العاصفة التي أدت إلى ظهور ما أطلق عليه آنذاك دول الضد وهي الدول التي رفضت إدانة غزو العراق للكويت وكان من بينها اليمن.
المظاهرات المؤيدة للعراق كانت تملئ شوارع صنعاء وتعز وفي عدن والمكلا كانت المظاهرات ترفع اعلام التأييد للكويت وصور الشيخ جابر الصباح، هذا المشهد المتناقض كان دلالة على الانشطار الأفقي في بناء الجمهورية اليمنية الوليدة وكان الإشارة الاولى من أحمد السعدون الذي قال أن اليمن لم ينسجم مشيراً لتلك الشعارات المتضادة القادمة من مدن شمال وجنوب اليمن، ومع بدء عملية “عاصفة الصحراء” التي قادتها الولايات المتحدة الامريكية ضمن تحالف دولي لتحرير دولة الكويت تصاعدت الشعارات والانقسامات فالشعار الذي لن ينساه الجيل الذي حضر تلك الايام (بالكيماوي يا صدام باقي جدة والدمام) وهي التي ترددها جموع الجماهير اليمانية في شوارع شمال اليمن تأييداً لاطلاق العراق صواريخ سكود على العاصمة السعودية الرياض.
كانت تلك اشارة حقيقية لمأساة حرب العام ١٩٩٤ فشمال اليمن الذي أيد غزو الكويت كان يضمر في نفسه غزو عدن ومأساة الكويت تكررت في عدن وتكرر الانقسام العربي فالعرب مازالوا ومنذ النكسة الكبرى يعيشون انقسامهم الوجداني حيال الشعارات الكبيرة التي رفعها التيار القومي العربي ودفعت الحركة الناصرية بقوة مما سبب في الوجدان العربي هذا الانفصام بين واقعية السياسة واحلام وتطلعات الشعوب في اامخيال.
الثاني من آب / اغسطس وأن كان ذكرى مريرة ومؤلمة لكنها حقيقة في التاريخ العربي يجب التعامل معها بواقعية العقل الذي عليه اخضاع المسألة من زواياها الحادة فالخنجر الذي طعن الكويت في ١٩٩٠ عاد وطعن اختها في عدن مرات متكررة، ما كان في ذلك اليوم وأن كان صادماً فأنه بعث في العقل السياسي العربي التعامل بواقعية مع الأشياء بما فيها الأمن القومي العربي الذي مازال يعيش تحت التهديدات والنزوات والمخاوف بغدر الغادرين وتآمر المتآمرين.