د. صبحي غندور يكتب:
الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت: لبنان نحو المجهول
تشير كافة المعطيات والمؤشرات إلى دقة وخطورة المرحلة، على مستوى المنطقة والإقليم، مما يستدعي على المستوى المصري والفلسطيني واللبناني والسوري والعربي والإسلامي، الاستعداد لكافة الاحتمالات خصوصاً في ظل الأوضاع السياسية الصعبة والمُعقَّدة في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق وليبيا واليمن وتونس والمنطقة والإقليم. وفي لبنان تحديداً ذلك البلد العربي العزيز الجميل الصغير، الممزق كيانه ونظامه السياسي وجغرافيته وجميع مكوناته ومؤسساته بسبب الطائفية السياسة والفئويَة المقيتة والصراعات التي لاتنتهي، ويضربه الإنقسام السياسي والطائفي والمذهبي والجغرافي والديمغرافي عامودياً وأفقياً، حتى أصابت حدود التَّشظِّي والتمزق والإنشقاقات والانقسامات عميقاً الأسرة الواحدة، والبيت الواحد، والعائلات والعشائر والأحياء والشوارع والقرى والبلدات التي كانت يُضرب المثل بمستوى تجانسها وانسجامها وتآلفها وترابطها وتماسكها. وفي الذكرى السنوية الأولى لكارثة انفجار مرفأ بيروت، ومع عدم توصل السلطات اللبنانية لحقيقة ماحدث، وعدم تحويل المسؤولين اللبنانيين المجرمين الفاسدين في المرفأ وغيره من المؤسسات والجهات اللبنانية السيادية إلى المحاكمة من المسؤولين عن هذه الكارثة بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر، وعدم ملاحقة كافة المتورطين في صناعة هذه المصيبة والمأساة من داخل لبنان وخارجه، وعدم مصارحة الشعب اللبناني وأهالي الضحايا المظلومين الأبرياء بحقيقة ماحدث، ومن(المجهول الخفي..!!) الذي يتحمل مسؤوليته، ومع الذكرى السنوية الأليمة لهذه المأساة الإنسانية، فقد تجاوز الإنهيار السياسي والأمني والإقتصادي والإجتماعي والمعيشي في لبنان العزيز كل الحدود والخطوط والسقوف المحتملة والمتوقعة، دون أن يتحرك أحد من الطبقة الحاكمة أو المسؤولين وقادة الأحزاب والطوائف والمرجعيات والعمل من أجل ايجاد الحلول الناجعة لوقف الانهيار ومنع تفكك لبنان الدولة والنظام السياسي والكيان والوطن، ولبنان المجتمع، ولبنان المؤسسات.
حراك الشارع:
رغم التقارير والمعطيات والمؤشرات التي تحذر من خطورة الأوضاع الحالية التي تشهدها كافة المناطق اللبنانية، والتي تؤكد بأنَّ غضب الشارع اللبناني المقهور والفقير والجائع والمُنهك بات يتنامى ويرتفع منسوبه يوماً بعد يوم، ولن يتوقف حراكه المشتعل العابر لكافة الأحزاب والطوائف والمناطق، بل من المتوقع والمحتمل أن يتطور وتزداد قوته وتيرته وأشكاله ومستوياته وتتسع رقعته شيئاً فشيئاً لتشمل جميع المناطق اللبنانية، خاصةً في ظل الصعود المستمر لسعر صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية، وفقدان الليرة اللبنانية لـــ 85%من قميتها أمام الدولار، بينما تستمر معاناة معظم شرائح الشعب اللبناني المتوسطة والمتدنية والفقيرة من أوضاع معيشية في غاية الصعوبة، وبات معظم اللبنانيين لايستطيعون توفير لقمة العيش والدواء وجميع اللوازم الضرورية للحياة الآدمية الكريمة لأنفسهم وأسرهم وعوائلهم، مما يهدد بتفجر(ثورة الجياع).
وحتى الآن فإنَّ الجماهير التي تنزلَ غاضبةً إلى الطرق والشوارع والساحات لا تمثلُ لوناً طائفياً أو حزبياً أو مناطقياً معيناً، إنَّما يشارك في الحراكات والتظاهرات والاحتجاجات الشعبية مجموعات من جميع شرائح المجتمع اللبناني المتساوي بالفقر والعَوَز والجوع والحاجة والعجز والفقر والاضطهاد والظلم، ممن فقدوا القدرة على الصمت والبقاء في بيوتهم، في ظل الضائقة الاقتصادية والمعيشية الكبيرة المتنامية والمتصاعدة وتعاظم القلق والخوف من المستقبل والمجهول.
جوانب خفية..!!
من اللافت والمثير، أنَّ هناك جانباً آخر خفيّ في تفاصيل الصورة اللبنانية الدراماتيكية المُربكة، حيث تسعى قوى متنَّفذة وجهات معينة إلى دفع الشارع اللبناني الغاضب من الأوضاع المعيشية والاقتصادية والسياسية نحو الإنفجار الكبير، عبر التلاعب المدروس والمنهجي والمقصود بسعر الصرف اليومي للدولار مقابل الليرة اللبنانية، ومايتبع ذلك من ارتفاع جنوني للأسعار، وخاصة المواد الغذائية واللوزام الأساسية والأدوية والوقود وغير ذلك، واختفاء الكثير من الأدوية في الصيدليات والمستشفيات، وكذلك المواد الأساسية من الأسواق والمحال، والعجز عن توفير احتياجات الناس من الماء والكهرباء والوقود، واضطرار المواطنين للإنتظار ساعات طويلة في طوابير الإذلال والإهانة أمام محطات الوقود للحصول على 20 ليتر فقط من الوقود، سواءً لسياراتهم أو لمولدات الكهرباء المنزلية، وبالتالي فالمقصود من وراء هذا التلاعب المدروس دفع الناس للخروج الإنفعالي الجنوني إلى الشارع في حركةٍ عشوائية فوضوية عبثية موجهة ضد مسؤولين وأطراف وجهات وقوى لبنانية بعينها، ممن لا يتحملون المسؤولية المباشرة أو غير المباشرة عن رفع سعر الدولار وأسعار المواد الغذائية الأساسية والاستهلاكية والأدوية، للتسبب بفتنة كبيرة على الأرض تؤدي إلى إشعال عود الثقاب، أو فتيل(القنبلة الإجتماعية الشعبية الموقوتة) ودفع الأوضاع والبلد نحو الكارثة والهاوية وربما الحرب الأهلية.!!
وتحاول بعض القوى والأحزاب والتيارات، وخاصة القوات اللبنانية المعروفة بولائاتها وأهدافها المشبوهة، استغلال الغضب والحراك الشعبي، وتعمظىىل مع آخرين على حرف الأنظار عن الجوانب المطلبية المشروعة لحراك الشارع اللبناني، وتدفع نشطاء الحراك للاصطدام مع جمهور "حزب الله" و"حركة أمل" و"التيار الوطني الحر" وغيرهم من الأحزاب الوطنية والقومية ومع عموم الناس، من خلال مجموعة من المسلكيات المرفوضة جماهيرياً وأخلاقياً وإنسانياً، مثل مهاجمة وتكسير بعض المتاجر والمحال والمطاعم والصيدليات والمؤسسات الأهلية أو الحكومية، وإغلاق الشوارع والطرقات وتقطيع أوصال البلد، وعدم السماح للناس بالتنقل، ومنع حركة السيارات كلياً أو جزئياً، إلى درجة أنه تم منع عبور جنازة من بيروت إلى الجنوب، عبر الطريق الدولي(الأوتوستراد) المؤدي إلى الجنوب، ومنع سيارات الإسعاف من نقل المرضى، وكذلك منع شاحنات نقل أسطوانات الأوكسجين المخصصة للمستشفيات من المرور على الطرقات، بل وتم الاعتداء اللفظي والضرب البدني على الكثيرين، وتم في بعض الأحيان اطلاق النار من عناصر بعض الحواجز والمتاريس المقامة لقطع الطرقات، نحو عددٍ من المواطنين الذين كانوا بحاجةٍ ماسةٍ للمرور، مما أدى إلى قتل بعض المواطنين، وتم كذلك اطلاق النار والقاء قنابل يدوية نحو عناصر من الجيش والأجهزة الأمنية، وقد لاقت هذه الأحداث والمسلكيات المرفوضة والبغيضة الاستنكار الشديد من الرئيس ميشال عون، ومن مسؤولي وقادة الجيش اللبناني والعديد من قادة أجهزة الدولة ومعظم المرجعيات الدينية والسياسية والأحزاب والهيئات والمؤسسات والأجهزة والشخصيات الاعتبارية اللبنانية، والإعلاميين والمثقفين والأكاديميين والنقابيين، وغيرهم.
وكان من المثير للتساؤل والإستغراب والدهشة، أنَّ الرئيس ميشال عون والمشاركين في الاجتماع الموسع (الاقتصادي والسياسي والمالي والأمني ) الذي عقده عون في القصر الجمهوري في بعبدا، يوم الإثنين 8/3/2021 طالبوا من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بالتدخل من أجل لجم ارتفاع سعر الدولار، إلاَّ أنَّ سلامة اعتذر عن عدم القدرة على التدخل بسبب الشُّح والجفاف في السيولة!!
مخاوف أمنية:
لم يعد خافياً على أحد أنَّ الوضع اللبناني الداخلي بات شديد الدقة والحساسية، وهناك تخوُّف من دخول بعض الخلايا الإجرامية أو التخريبية أو الإرهابية على خط احتجاجات الشارع، لافتعال إرباكات وضرب الاستقرار وجرّ لبنان نحو الفوضى الشاملة أو الحرب الأهلية والتفكك. وتحسباً لمنع انحدار وتدهور الأوضاع وفقدان السيطرة عليها، فقد رفع الجيش اللبناني ومديرية المخابرات التابعة له، وجميع الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية من مستوى جهوزيتها واستعداداتها. وأبلغت الأجهزة الأمنيّة اللبنانية عدداً من المسؤولين اللبنانيين والعديد من النوّاب من كتلٍ نيابيةٍ مختلفة، بــ :(وجوب أخذ الحيطة والحذر في هذه المرحلة خشيةً من تنفيذ عمليات اغتيال تهدف الى ضرب الاستقرار). وبالفعل عزّزوا جميعاً التدابير الأمنيّة المحيطة بمنازلهم، والتزموا بعدم التنقّل إلا عند الضرورة القصوى.
وكشف تلفزيون( (mtvاللبناني، أنّ:( شخصيّات سياسيّة عدّة تبلّغت معلومات من أجهزة أمنيّة مختلفة عن خطرٍ أمني يستوجب منهم اتخاذ تدابير استثنائيّة، وتبلَّغت شخصيّة سياسيّة من شمال لبنان، سبق أن تولّت موقعاً أمنيّاً، تحذيراً واضحاً من أحد الأجهزة، وهي لا تغادر منزلها خشية تعرّضها للاغتيال).
الأسوأ قادم ..!!
في لبنان لم تعد هناك حياة في السياسة ولا أخلاق ولاقيم ولا منطق ولا عقل ولاحكمة ولاضوابط ولا معايير، ولم ولن تهز مشاهد تقطيع أوصال طرقات وشوارع ومدن البلد واشتعال النيران جفن أي مرجع أو مسؤول لبناني أو سياسي أوحزبي أو طائفي في موقع الحكم والمسؤولية التنفيذية، بينما يواصل كل فريق وحزب وطائفة وزعيم قبيلة وعشيرة ومختار حارة وأمراء الحروب والفتن عنادهم وتشبّثهم بمواقفهم ومواقعهم، دون بذل أية جهود حقيقية من أجل تقريب المسافات، وإن وجدت فليست هناك أية امكانية للتجاوب معها، في حين وقف الرئيس سعد الحريري المكلف السابق بتأليف الحكومة عاجزاً تماماً عن تشكيلها لتسعة أشهر، والأغرب من ذلك أنَّه كان أكثر عجزاً من أن يقدم اعتذاره عن التشكيل ويغادر المشهد السياسي المُعقَّد ولو مؤقتاً، إلى أن أُرغم أخيراً على تقديم الإعتذار.!!. فلا حكومة تألفَت، وربما لن تكون هناك حكومة تتألف في المدى المنظور، والتكليف الذي كان يحمله سعد الحريري في جيبهُ، بانتظار الضوء الأخضر من الخارج لكي يتوافق مع الرئيس ميشال عون وبقية أطراف ترويكا الحكم والعهد، خاصة أنَّ الدستور اللبناني لا يُجبر رئيس الحكومة المُكَّلَّف على إعلان التشكيلة الحكومية أو الإعتذار خلال مهلة زمنية معينَة، مما سمح للحريري الإحتفاظ بورقة التأليف الحكومي بيده تسعة أشهر، حتى أُعطي الحريري الضوء الأخضر لتقديم الإعتذار، ليفسح الطريق أمام الرئيس نجيب ميقاتي ليحل مكانه مُكلًّفاً جديداً لتشكيل الحكومة، بينما تقف حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسَّان دياب، مشلوًلة وعاجزةً تماماً عن عمل أي شيء لإنقاذ لبنان في ظل الإنهيار الكبير والمتسارع والمسار الدراماتيكي المتدهور والمتدحرج للأوضاع. ومن الواضح أنَّ الأمور ذاهبة نحو الأسوأ والأصعب والأكثر خطورةً، وستصل إلى الحد والمستوى الذي تصبح فيه الحلول مستحيلة، وحتى لو نجح نجيب ميقاتي أو غيره في تشكيل الحكومة الموعودة، فإنَّ ذلك لن يساهم في فتح باب الفرج والحلول، فلقد كبرت كرة الغضب واللهب والنار، ووصلت إلى حدٍ أنَّه لم يعد أحد يريد أو يستطيع تلقّفها، خشيةً من أن يحترق معها؛ ولهذا فالإنهيار قادم في كافة مناحي ومؤسسات وأجهزة الدولة اللبنانية، ولبنان ذاهبٌ نحو الأسوأ.
ــ الإستقواء بالأجنبي:
ليست هذه هي المرة الأولى على مستوى تاريخ لبنان، التي يطالب فيها بعض قيادات الطائفة المارونية سواء الدينية أم السياسية بتدويل لبنان، ويتداعون من أجل استدعاء التدخل الدولي الأجنبي للإستقواء على شركائهم في الوطن الذبيح المُدَّمَّر المستنزف، وهذا ماحدث تماماً عندما أرادوا الخروج من مأزقهم الكبير عام ١٩٨٢، لم يستدعوا الأجنبي البعيد من خلف البحار كما هي عادتهم، بل أتوا بالعدو الصهيوني والاجتياح والتدمير للبنان، واستقبلوا دبابات وجنود العدو لدى احتلالهم العاصمة بيروت بالورود ونثروا عليهم الأرز والحلوى احتفالاً وفرحاً وترحيباً بقدومهم. وعاش لبنان مثل هذا الواقع المأساوي مرات عديدة في الماضي البعيد والقريب مع مثل هذه القيادات المارونية المجرمة والبائسة والفاشلة والعميلة. أما الآن وبعد قيادة الرئيس الجنرال ميشال عون، وهو الماروني القوي والمدافع بقوة عن حقوق ومواقع جميع المسيحيين اللبنانيين، فقد قامت الدنيا عليه ولم تقعد من(القيادة "العميقة" للطائفة المارونية)، لينبري بطركها وبتأييد ودعم من أمراء الحروب والقيادات المارونية السياسية المتضررة من الرئيس عون، ومعهم آخرين من طوائف وأحزاب أخرى، لا يريدون للبنان أن يكون قوياً ومتماسكاً بأبنائه، وطالبوا بالتدويل وفتح البلد على مصراعيه أمام التدخل الأجنبي والغربي، مما يعني أنَّ لبنان لن يبقى أبداً حراً سيداً مستقلاً.
والأكثر غرابةً ووقاحةً من ذلك، أنَّه ورغم حالة الفراغ الحكومي والسياسي الذي يعيشه لبنان منذ شهر آب/ أغسطس2020، خرجت "نافخة الكير" المدعوة ستريدا جعجع، وعضو البرلمان اللبناني عن حزب القوات، وزوجة المجرم القاتل سمير جعجع رئيس حزب القوات المسيحية المارونية، في تصريحٍ لصحيفة (الشرق الأوسط) السعودية يوم السبت 6/3/2021، لتطالب الرئيس ميشيل عون بالاستقالة !!، وذلك لإدخال البلاد في حالة فراغ رئاسي وفوضى شاملة أسوأ بكثير من الفراغ الحكومي الحالي، تمهيداً لتدويل لبنان، قائلةً للصحيفة، إنَّ: (إسقاط رئيس الجمهورية في الشارع خطوة غير دستورية، ونحن بانتظار أن يقوم الرئيس شخصياً باتخاذ موقف تاريخي بالاستقالة).
وتعليقاً على مثل هذه المواقف والتصريحات العبثية، نقل المشاركون في اجتماع قصر بعبدا، يوم الإثنين 8/3/2021، عن الرئيس ميشال عون، قوله:(أنا ميشال عون ما حدا يجربني. في العام 1990 رفضت أن أتنازل تحت ضغط المدفع، والآن لن أتنازل تحت ضغط الدولار).
يحدث كل ذلك الصَخَب والجدل العقيم والجنون السياسي الطائفي الحزبي المُرَّكَّب، على الرغم من أنَّ جميع التجارب التاريخية للتدخل والاستعمار والتغلغل الأجنبي في لبنان وفي غيره من الدول العربية والإسلامية الشقيقة، كانت دوماً تنقلب على الأجنبي والغازي والمحتل، وعلى من استدعاه وبالاً وخسراناً وهزيمةً وهروباً، وكذلك كانت تنقلب الأمور مع الغزاة والمستعمرين والقادمين من خلف البحار والحدود، إلى غير ما تمناه وسعى إليه أصحاب مثل هذا الطرح، فهل من المتوقع أن يشهد لبنان أمراً مماثلاً، يؤدي فيما سيؤدي إلى نهاية هذا الخط والتوجه السياسي اللبناني العنصري الحاقد، والذي لديه الإستعداد لحرق لبنان وشعبه ومصيرهما، حفاظاً على مصالحه وامتيازاته ومكاسبه الخاصة، وكي يبقى جالساً على كراسي الحكم والطائفية السياسية والعنصرية، ونهب خيرات البلد وتقاسم النفوذ والمكاسب والمصالح فيه.
احتمالات المواجهة بين "حزب الله"والعدو:
بالتوازي مع تزايد الغضب الشعبي اللبناني ضد النظام والطبقة والطائفية السياسية والأحزاب اللبنانية وضد سياسات حاكم مصرف لبنان والبنوك، بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة والمتدهورة التي يشهدها لبنان، بدأت مؤخراً تتزايد وترتفع نبرة التهديدات المتبادلة بين "حزب الله" و"المقاومة الإسلامية اللبنانية" من جهة، وبين العدو الصهيوني من جهة أخرى، وفي هذا السياق وجه أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله، أكثر من مرة تهديدات شديدة للعدو الصهيوني في حال قام بشن أي عدوانٍ جديد ضد لبنان، ونشر الإعلام الحربي للحزب فيديوهات يظهر بعض المواقع العسكرية والحيوية للجيش الصهيوني في داخل المستوطنات بفلسطين المحتلة، وأظهرت الفيديوهات قدرة المقاومة الإسلامية اللبنانية على الوصول إلى تلك المواقع الحيوية عبر الصواريخ الدقيقة. وردَّ قادة العدو الصهيوني وقادة جيشه على تهديدات أمين عام "حزب الله"، بتهديداتٍ مقابلة، مؤكدين على قدرة الجيش الصهيوني بتوجيه ضربات قاسية لـ "حزب الله" والمقاومة ولبنان.
وتشهد المناطق الحدودية اللبنانية الفلسطينية منذ شهر تموز/ يوليو2020 حالة من التوتر والتخوف الصهيوني خشية قيام "حزب الله" بعملية عسكرية ضد جنوده، رداً على شن الطيران الحربي الصهيوني غارات ضد مواقع الحزب في سوريا، مما أدى إلى استشهاد بعض قادته وكوادره العسكريين. وواصل العدو الصهيوني حملاته الإعلامية والسياسة ضد "حزب الله" زاعماً إمتلاكه آلاف الصواريخ الدقيقة، وإنشائه مصانع ومخازن للصواريخ في بعض المناطق اللبنانية والسورية، وهدد قادة جيش العدو باستهداف هذه المصانع، وقالوا:( ستكون هذه المخازن والمصانع معرّضة لعمليات عسكرية).
وفعَّل جيش العدو وأجهزة استخباراته من دور الطائرات المُسيَّرة فوق الأراضي اللبنانية ومساحات من الأراضي السورية لجمع المعلومات والرصد وتوجيه رسائل التهديد، مما دفع الحزب إلى اسقاط إحدى هذه الطائرات فوق المناطق الجنوبية اللبنانية، ثم أطلق صاروخاً موجهاً محمولاً على الكتف(أرض جو) مضاد للطيران، نحو إحدى الطائرات الصهيونية الحربية الهجومية المُسيَّرة، ورغم أنَّ الصاروخ لم يُصِب الطائرة، ولكن كان مجرد إطلاقه عبارةً عن رسالة تهديد خطيرة يوجهها حزب الله للعدو الصهيوني. وعلى ضوء ذلك تصاعدت التهديدات المتبادلة بين قادة الحزب والمقاومة، وبين المسؤولين والقادة الصهاينة، مما بات ينذر بامكانية حدوث مواجهة مفتوحة بينهما في المدى القريب. وسبق هذه التهديدات تصعيداً للمواجهة بين الكيان الصهيوني وإيران في المنطقة بعد استهداف العدو لسفن تجارية وناقلات نفط إيرانية، ورد إيران باستهداف سفن تجارية صهيونية، ثم توالت الردود المتبادلة والمواجهات البحرية بينهما عبر استهداف بعض السفن والناقلات التجارية لكلا البلدين، آخرها سفينة تجارية صهيونية في بحر عمان الأسبوع الماضي، واتهام المسؤولين الصهاينة لإيران بالوقوف وراء الهجوم والتهديد بالرد عليه.
وكان رئيس الوزراء الصهيوني السابق بنيامين نتنياهو، صرَّح مطلع العام الحالي، أنَّه لن يسمح بصواريخ «عالية الدقة» في سوريا ولبنان، وكانت المفارقة في تصريحاته ليست إلحاق سوريا في التهديد، بل في محاولته الإيحاء بأنَّ(السلاح الدقيق) غير موجود، وأنَّ كيانه لن يسمح بوجوده، بينما حقيقة ما كان يعنيه: (لن تسمح «إسرائيل» بصواريخ«عالية الدقة»، «العالية»)، قاصداً التفريق بين:(صاروخ دقيق مع هامش خطأ مترٍ أو مترين)، وصاروخ آخر مع:(هامش خطأ سنتمترات).
وأكدَّ خبراء وباحثون صهاينة من(مركز بيغن ـــ السادات للدراسات الإستراتيجية)، في دراسة لهم ، أنَّ:(ما يجري بين الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" معركة عالية المخاطر في ظل التنافس لامتلاك القدرات الجديدة)، وتوقعوا:(احتمال حصول حرب مستقبلية ضد حزب الله)، وقالوا:(يجب أن تدمر هذه الحرب ليس فقط القدرات العسكرية لـ "حزب الله"، ولكن أيضًا أن تخلق وضعًا جديدًا لا يستطيع فيه "حزب الله" إعادة التسلُّح بعد الحرب، كما فعل بعد حرب لبنان الثانية)، وطالب الخبراء الصهاينة، أن:(تكون الحرب على مرحلتين، الأولى: القصيرة والمكثفة نسبيًا، وتستمر من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، تأخذ القوات البرية الإسرائيلية جزءًا كبيرًا من أراضي جنوب لبنان، بينما تنشط القوات الجوية في جميع أنحاء لبنان لتدمير أهداف "حزب الله"، بما في ذلك العديد من منصات إطلاق الصواريخ والصواريخ وخلاياها الأرضية المُصمَّمًّة لمهاجمة الجيش الإسرائيلي في لبنان. والمرحلة الثانية؛ "مرحلة التنظيف الأطول" ستستمر شهوراً، وستشهد قيام الجيش الإسرائيلي بتدمير النطاق الكامل للبنية التحتية لـ "حزب الله" وأسلحته). وأضافوا:( بعد الانسحاب في نهاية المطاف ، يمكن للجيش الإسرائيلي تنشيط قواته لمنع "حزب الله" من إعادة البناء من خلال شن ضربات موجهة).
ضربة استباقية ضد خلايا "داعش الإرهابية":
في ظل لجوء تنظيم «داعش» التكفيري الإرهابي، إلى إيقاظ بعض خلاياه الإرهابية النائمة من خلال قيام بعض هذه الخلايا الإجرامية التكفيرية الإرهابية بتنفيذ عمليات انتحارية في وسط بغداد وعدد من البلدات العراقية، وبلدات ومدن سورية تقع في المناطق الحدودية بين سوريا والعراق، توصلت مديرية المخابرات بالجيش اللبناني إلى قناعةٍ راسخة، بأنَّ التنظيم الإرهابي يخطط لــ:( تنفيذ عمليات إرهابية في لبنان، تستهدف أماكن ومراكز عسكرية يمكن أن تستغل وجود النازحين في عدد من المخيمات، خاصةً تلك الواقعة في أطراف بلدة عرسال).
ورصدت مخابرات الجيش اللبناني تحركات مجموعة إرهابية تابعة لتنظيم "داعش" الإرهابي الإجرامي تتكون من سوريين ولبنانيين، كانوا في مرحلة الإعداد والتخطيط والاستطلاع لتنفيذ عمليات إرهابية انتحارية في لبنان، لاستهداف مراكز ومواقع عسكرية تابعة للجيش والقوى الأمنية، واستناداً إلى ما توافر من معلومات أمنية ومعطيات، كثَّفت مخابرات الجيش اللبناني مراقبة المجموعة الإرهابية ورصد تحركاتها وإحكام الطوق الأمني عليها، ووجهت لها ضربةً استباقية، ولاحقت الإرهابيين الذين كانوا يتنقلون ما بين بلدة عرسال ومنطقة مشاريع القاع / شمال شرقي لبنان، إلى أن أطبقت الحصار عليها وأوقعتها في الكمائن التي نصبتها لها، بعد محاصرتها في مخيمات النازحين السوريين الواقعة في أطراف بلدة عرسال ومنطقة المشاريع الحدودية مع سوريا/ شمال شرق لبنان، وضبطتهم بالجرم المشهود واعتقلت 18 إرهابياً، من بينهم 12 سورياً و6 لبنانيين، واعترفوا بانتمائهم إلى تنظيم "داعش" الإرهابي، وأدت اعترافاتهم إلى توقيف إرهابيين آخرين ، وكشفت التحقيقات مع المعتقلين عن خضوع:( أفراد المجموعة الإرهابية لعملية«غسل دماغ»، حيث أكدوا خلال التحقيق معهم، بأنَّهم ليسوا نادمين على تنفيذ ما كانوا يخططون له، وسيلتحقوا مجدداً بـ«داعش» في حال الإفراج عنهم). وأنَّهم:(كانوا يؤمِّنون المال للحصول على«عدّة الشغل»التي يحتاجونها لتجهيز العبوّات الناسفة من خلال قيامهم بأعمال غير مشروعة يعاقب عليها القانون لتوفير التمويل الذاتي، ويعقدون اجتماعات لتحديد الأهداف التي يخططون لاستهدافها بعمليات انتحارية، وتواصلوا مع بعضهم مباشرة، تحضيراً للاجتماعات التي يعقدونها، وهم لا يستخدمون الهواتف الخلوية للتواصل ببعضهم البعض تفادياً لمراقبة هواتفهم من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية). وأنَّ«العقل المدبّر» الذي يتزعّم المجموعة الإرهابية، لبناني أُعتقل سابقاً بتهمة التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية، ويقيم حالياً داخل الأراضي السورية.
وأدت عمليات المداهمة والتفتيش والمسح الأمني في مخيمات النازحين السوريين في عرسال وفي منطقة مشاريع القاع، إلى وضع اليد على مواد تُستخدم لصنع العبوات الناسفة وأسلحة فردية ورشاشات وقنابل يدوية هجومية ودفاعية، وأسلاك لتفجير العبوات وذخائر متنوعة، وقاذف لقذيفة صاروخية أميركية من نوع«لاو»لاستهداف الآليات العسكرية. واكتشفت مخابرات الجيش اللبناني أنَّ المجموعة الإرهابية قامت بحفر الأنفاق تحت الأرض للربط بين خيمة وأخرى واستخدامها لتخزين الأسلحة والذخائر، وجعلت من هذه الأنفاق مخابئ للأسلحة وصبَّت الباطون عليها، وبعضها كان مُعدَّاً لتخزين العبوات الناسفة في حال تم إعدادها لتصبح صالحة للتفجير.
طوائف وميليشيات:
ليس سراً أو خافياً على أحد أنَّ أغلب القيادات والمرجعيات الدينية والسياسية والطوائف والأحزاب والقوى والجماعات اللبنانية، ترتبط بشكلٍ أو بآخر مع قوى وأطراف عربية أو إقليمية أو غربية أو دولية، وبعضهم تربطه علاقات وطيدة مع العدو الصهيوني مثل المجرم سمير جعجع وحزبه "القوات اللبنانية"، وتتلقى جميعها الدعم المالي والعيني والمعنوي والسياسي والأمني، بينما يتلقى بعضها إضافة إلى ذلك الدعم العسكري والأمني واللوجيستي والتدريب والتجهيز والتأهيل، والإمداد بالأسلحة والمعدات والخبرات والتجهيزات والإمكانيات العسكرية والأمنية واللوجستية، والتي جعلت من بعض تلك الطوائف أو الأحزاب والقوى، تسيطر بالقوة على البقعة الجغرافية التي تنتشر فيها، وبالمال والنفوذ وشراء الأراضي والعقارات، وجعلت منها (كانتون) خاص بها، مثل(القوات اللبنانية المارونية)، التي تمتلك مئات ملايين الدولارات، وتحصل على الدعم المالي الكبير من مموليها، وتحوذ على ترسانة عسكرية وميليشيا جاهزة ومدربة، وتمتلك كذلك معظم الطوائف والأحزاب والقوى والتجمعات والجماعات والروابط والتكتلات والعشائر والعصابات اللبنانية مختلف أنواع الأسلحة والذخائر بمستويات مختلفة. وليس هناك من بيتٍ لبناني يخلو من حيازة السلاح، وتنتشر في لبنان مختلف أنواع الأسلحة من الخفيف إلى المتوسط فالثقيل، ولايمر في لبنان يوم واحد دون أن تكون هناك أحداث أمنية وجرائم قتل وخطف وسرقة تستخدم فيها الأسلحة النارية، ومنذ سنوات عديدة فقد تحوَّل لبنان إلى غابة من السلاح والفوضى والفلتان الأمني.
ورغم انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية رسمياً بموجب اتفاق الطائف عام 1989، إلاَّ أنَّها لم تنتهِ عملياً وواقعياً واجتماعياً وسياسياً وطائفياً وحزبياً، واستمر الصراع الأهلي والحزبي والطائفي والإجتماعي والسياسي بأشكال وأدوات ووسائل مختلفة، وأصبح لكل واحد من أمراء الحرب الأهلية وحزب وجماعة وعصابة وميليشيا حصتهم من مغانم وخيرات ومكاسب البلد.
الخلاصة:
في ظل الواقع المأساوي المُرَّكَّب والمُعقد الذي يمر به لبنان منذ الحرب الأهلية الملعونة عام 1975 وحتى الآن؛ ليس من المستغرب أنَّ هذا البلد العربي العزيز مازال يعاني من مشاكل انقطاع الكهرباء والماء، وعدم توفر الغذاء والعلاج والدواء والخدمات الأساسية التي يحتاج إليها المواطن اللبناني البسيط العادي ليحيا حياته الآدمية بعزةٍ وكرامةٍ وإنسانيةٍ، إضافةً إلى ذلك فإنَّ مشاكل لبنان الداخلية والخارجية في تفاقم وازدياد مستمر، دون أن تظهر في الأفق أية حلول، ووصلت البطالة ومظاهر الفقر والجوع والمرض إلى مستويات خطيرة، عدا عن فشل المنظومة التعليمية وتفكك البُنى الإجتماعية وتراجع وانهيار القيم الأخلاقية، وزيادة الأمراض النفسية والعصبية والعضوية بشكلٍ كبير، وفقد ملايين اللبنانيين مقدرتهم على توفير الحد الأدنى من مقومات معيشتهم، مما دفع برئيس حكومة تسيير الأعمال حسَّان دياب، ليُطلِق بمنتهى الألم صرخته المدويَّة:(ماذا تنتظرون لتشكيل الحكومة، فاللبنانيون لم يعد باستطاعتهم أن يتحملوا وضع البلد، ألا يستحق اللبنانيون تضحيات صغيرة من أجل مصلحة الوطن؟، فلنترك أوهام وطموحات السلطة جانباً فلبنان بخطرٍ شديد والوضع خطير، وخطير جداً ، والله يحمي لبنان واللبنانيين).
ورغم الرضى والدعم الأميركي ــــ الفرنسي والدولي والأوروبي والإقليمي والعربي وتسمية أكثر من سبعين نائباً لبنانياً للرئيس نجيب ميقاتي من أجل تكليفه بتشكيل الحكومة اللبنانية الموعودة، يبدو أن المسافة شاسعة جداً بين نجاح عملية التكليف واكتمال عملية التأليف، والذي ربما لاينجح فيه الرئيس ميقاتي. وحتى ذلك الحين فإنَّ لبنان العزيز سيظل واقفاً على حافة بركان من الغضب والغليان الشعبي، هو أقرب ما يكون للإنفجار الشامل، خاصةً أنَّ المخاطر قد إزدادات كثيراً مع الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت، بينما لبنان الوطن والدولة والكيان والجغرافيا والديمغرافيا يمضي سريعاً نحو المجهول والإنهيار الشامل والتفكك .
حفظ الله وحمى لبنان العزيز وشعبه الشقيق، ووقاهما الله شرور الفتن والمؤامرات والدسائس، وحفظ الله أمتنا ودولنا العربية والإسلامية.