رحيم الخالدي يكتب لـ(اليوم الثامن):
حكايات أبو ذيبة خبير الأرض
تتعدد القصص بين مجاهد وآخر حسب الموقف، ويحكمها عامل الوقت والمكان، وقد رويت كثير منها، آيّام تحرير العراق من براثن الإرهاب التكفيري، في إنتصارٍ لم يسجله التاريخ سابقاً، فكان بحق مفخرةٌ يسجلها التاريخ بحروف من ذهب، كما لا ننسى بقية من وثق تلك القصص، من الذين لم يقصروا بسرد البطولات، التي سطرتْها سواعِدهُم .
في لقاء بأحد المجاهدين الذي جمعتنا به الصدفة، ومن خلال أحد الاصدقاء، الذي حدثني عنه سابقاً، وعن عمله الذي لا يخلوا من الخطورة، والخطأ غير مسموح لانه يكلفه حياتهُ، التي حافظ عليها من خلال الحذر والدقة بالعمل، وهذا إستقاهُ من التدريب المكثّف والذي إبتغتهُ الحاجة، لان العراق منذ بداية الإحتلال بدأ مسلسل التفجيرات، وهذا أثّر بنفسه وقد صمم على الدخول في عالمه .
بعد جلسة ليلية وتبادل المزاح والنكات، والبسمة لا تفارق محيّاه، حدثني عن بداية عمله كانت مع بداية الفتوى، حيث إنخرط مع الحشد الشعبي، بإختصاص يعتبر من الطرق، التي تسرّع بربح المعركة بوقت قصير، من خلال تنظيف الطرق والمسارات للسابلة أو العجلات، ويقتصر عمله بالكشف عن المتفجرات والألغام، والعبوات الناسفة والأفخاخ التي تحتاج لخبراء.. وممن لا يمكننا أن ننساه الشهيد "أبو آمنة" الذي إنفجرتْ عليه أحد العبوات القذرة التي تسمى (العنكبوتية) .
ذكر أنه في أحد جولاته مع الدواعش، قد تم تبليغه صباحاً بضرورة تجهيز نفسه قبل الظهر، بغرض الإطلاع على الخطة العسكرية، ومهام واجبهِ المناط به، والذي يستلزم منه تجهيز نفسه من غير تحديد المدة الزمنية، التي سيقضيها في تلك المعركة، فكان توزيع المهام أنه سيكون في المكان المخصص له، فكانت المعركة تختلف عن سابقاتها، والتي دخلتها بصحبة ثلة من المجاهدين، فكان العدد ثمانية عشر مجاهداً، حيث إتصل به المجاهد (سيّد جعفر)، وقال أن المجاهد "قنديل" الذي يشغل منصب عميد في الشرطة المحلية، لأفواج الطوارئ في صلاح الدين ناحية الضلوعية، قد أتته مكالمة من الدواعش! أن يوم غد الجمعة سيكون لنا خطبة في جامع الجبور في تلك المنطقة .
كان الشروع في تلك المعركة بعبور نهر، لكن بعد العبور تفاجئنا بنار كثيفة، من غير الممكن فيها رفع الرأس، ومعرفة نوع العدو أو السلاح الذي يستخدمه، وعدد تلك المفرزة، فما كان منه سوى إيجاد طريقة للخروج من ذلك الفخ، بعد تقديمنا لثلاثة شهداء، وبذلك وجدتُ طريقة وتخلصتُ من النار الموجهة صوبنا، ما دفعني لان أدخل في بناية كانت عبارة عن مضخات لتصفية الماء، وتجهزت لمعركة لا يمكن خسارتها، لأنني قد صممت على الدخول مع العدو، بمعركة لا تخلوا من الخطورة .
كان الدخول وفق سياقاتهم، في وقت الغروب، وهذا يجعلني بين أمرين، المعركة التي دخلت معتركها لم تكتبها الكليات الحربية، لا في العراق ولا التي خاضتها الجيوش العالمية في الحربين السالفتين، عندما بدأت المعركة وعلا صوت الرصاص، جاءتنا إمدادات من أهالي المنطقة، لكنّي رفضتُ دخُولهم مَعنا مباشرةً، بل وجهتهم للإسناد، وكان معي من تبقى من المقاتلين، الذين نجوا من الكمين، فدخلنا معهم بالكر والفر، إستطعنا إزاحتهم من البيوت التي كانوا يسيطرون عليها، فقتلنا منهم ستة دواعش، كان بينهم شخصان غير مختونين، وهذا يدل أنهم غير مسلمين، وفر الباقون بأرواحهم .
أخذنا الوقت وغلبني النعاس من التعب، مع العلم كنت مستمعاً جيداً، متلهفاً للسرد الذي يأخذني لعالم ثاني، فقد ذكر لي المناطق وأسمائها، التي لم اسمع بها من قبل، بل لم تكن مذكورة في الخريطة العراقية، التي درستها في الإبتدائية، فكانت كثيرة لا يمكن عدها وتعدادها، لا يسعها المجال لكن الاسماء المعروفة التي ذكرها لي، وكأنه قد تم تكليفه برسمها من قبل وزارة التخطيط لكثرتها، وهنا أستَشِفُ أنه لا توجد معركة خاضها الحشد مالم تكن لأبو ذيبة لمسة فيها .
قبل إنتهاء الجلسة وكنت مستعجلاً الذهاب للبيت، وكان بودي تكملة الأحداث التي مرت به، لكن الوقت داهمنا والتعب أخذ منّي مأخذه، قال لي وعلى عجالة، كل المعارك التي خضتها كنت متهيئاً لها بكل المستلزمات ولا أنام الليل عند تكليفي، لكني عند دخولي المعركة أجدها سهلة، وإن رافقتها بعض الصعوبات والمعرقلات، ولا أنسى الدعم الذي كان يوليه لي شهيد النصر وقائدهِ..
حكايات أبو ذيبة كثيرة، ولا تكفيها مقالة أو حكاية، ففي كل يوم هناك معركة، وهناك بطولات وحكايات، ربما لن نصدقها إن سمعناها.