إبراهيم مشارة يكتب لـ(اليوم الثامن):
في حــــــب نجيب محفوظ "ذكرى وفاتــــــــــــــه"
فن الرواية مدين لنجيب محفوظ فهو بلزاك الرواية العربية لا يختلف على ذلك اثنان من النقاد ويمكن اعتبار كتابات الرواد أمثال العقاد، طه حسين، الحكيم ،هيكل، يحي حقي ،المازني المحاولات التأسيسية الأولى.
نجيب محفوظ(1911/30أغسطس2006) ابن حي الحسين الشعبي بالقاهرة الذي نشأ في بيت يتميز بالسماحة واليسر والمرونة بعكس ما أشيع بأن أحمد عبد الجواد في الثلاثية وهو القاسي الصارم المولع بالنساء هو والد نجيب محفوظ ،وقد ظل محفوظ ينفي ذلك نفيا قاطعا ،في هذا الحي الذي يتميز بالأواصر الاجتماعية وبالإحساس العميق بالانتماء إلى الحارة والوطن فتح الولد بصره على عالم الطفولة البرئ ومرحها، ودنيا المنشدين والمقرئين والقصاصين الشعبيين والمتصوفة ومجالس العزاء والطرب كما هو عالم السياسة حيث نما الشعور الوطني بالرغبة الجارفة في التخلص من الاستعمار كما تجلى ذلك أيضا في نضال زعيم الوفد سعد زغلول القدوة في العطاء وحب الوطن والثبات على المبدأ وقد أحبه محفوظ وانتمى في عمقه إلى الوفد كما كان عالم الأدب يسير ثابتا نحو التأصل والتجديد فالشعر بذخت راية الكلاسيكية فيه على يد البارودي وشوقي وإسماعيل صبري وحافظ والنثر تخلص من الركاكة والإسفاف والتصنع والحذلقة البيانية وغدا نثرا فنيا رفيعا جامعا بين عمق الفكرة ورصانة اللغة في غير تكلف والمحاولات التأسيسية النقدية تتقدم على يد سيد علي المرصفي وأحمد الإسكندري وحفني ناصف ثم العقاد وطه حسين فيما بعد.
اكتشف الفتى نجيب في نفسه ميوله الفكرية والفنية معا فقد كان محبا للموسيقى وكبار مطربيها في ذلك الوقت عبده الحامولي صالح عبد الحي منيرة المهدية كما جذبته مجالس العزاء والذكر وظل دائما يحرص على سماع صوت القارئين الكبيرين في ذلك الوقت الشيخ علي محمود والشيخ محمود البربري .
هكذا كانت مصر الناهضة والباحثة عن حريتها في مطلع القرن العشرين، مصر المكافحة ضد الاستعمار البريطاني ،تتعانق على أرضها ثلاث حضارات كبرى، الفرعونية والعربية الإسلامية والقبطية والسائر في القاهرة يستطيع أن يستجمع ذلك بنظرة واحدة إضافة إلى جماليات الحارات الشعبية وثقافتها وأواصرها الاجتماعية وانخراطها في الكفاح ضد الاستعمار وقد كان لها النصيب الأوفر في ثلاثيته فيما بعد" بين القصرين" "قصر الشوق" و"السكرية".
انتسب نجيب إلى قسم الفلسفة بجامعة القاهرة وتتلمذ للشيخ مصطفى عبد الرازق الذي احتفظ له بشعور المحبة والتقدير فقد كان الشيخ مصطفى عبد الرازق جامعا بين العلم والحلم والتواضع ثم انخرط بعد التخرج في الوظيفة في وزارة الأوقاف حتى أحيل على المعاش.ولعل الكثيرين يتعجبون أشد العجب من قدرة نجيب على الالتزام الوظيفي والإبداع الأدبي فمن المعروف أن الوظيفة روتين قاتل كما أن علاقاتها قائمة على الرياء والمحاباة والانتهازية والتآمر في حين نجح نجيب في مساره الوظيفي دون أن يؤثر ذلك على مساره الإبداعي وذلك يرجع إلى صرامته وانضباطه وتفريقه بين الوظيفة ككسب للقمة العيش وبين حياة شخصية قوامها الميل إلى الإبداع والميل الفطري الذي تعضده الموهبة ولم يسمح لجانب أن يؤثر على الجانب الآخر وهكذا نجح في أن يعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
أما الذين تأثر بهم من الكتاب فهم العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم الذي جمعته به الصداقة والزمالة في مؤسسة الأهرام ثم سلامة موسى الكاتب والمفكر اليساري الذي نشر عنده بعض المقالات وبعض الروايات.الأدبية، ومن الكتاب العالميين لاشك أنه أعجب ببلزاك وبروست وماركيز ولكنه لم يعجب بتيار اللارواية الذي دشنه ألان روب غرييه ونتالي ساروت وأعلن أنه لا يفهمه.
تعاطف محفوظ مع اليسار دون أن يكف عن نقد الشيوعية لديكتاتوريتها ونزعتها الشمولية التي تسحق الفرد وتصادر على حريته هذا يعني أن النظرية شيء والواقع شيء آخر، كما لم يكف عن إدانة الفاشية والنازية مع إيمان راسخ بالديمقراطية والتعطش إلى الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية وهي القيم التي نافح عنها كاتبا ومناضلا وفديا منذ مظاهرات ثورة 1919 التي اشترك فيها طفلا صغيرا والتي فتحت وعيه على الحرية ومناهضة الاستعمار.
يميز النقاد في مسار الكاتب الإبداعي بين ثلاث مراحل فالمرحلة الأولى هي التاريخية أو "الفرعونيات" كما تسمى أيضا حيث دشنها بثلاث روايات فرعونية هي "رادوبيس" و"عبث الأقدار" و"كفاح طيبة" وقد اعترف أنه كتبها متأثرا بروايات جرجي زيدان التاريخية وكان في نيته أن يتم هذه المشوار بروايات تاريخية أخرى لكنه لم يفعل لينطلق في المرحلة الثانية وهي الواقعية ومن أشهر روايات هذه المرحلة "خان الخليلي" "القاهرة الجديدة" "زقاق المدق" "بداية ونهاية " وتأتي الثلاثية "بين القصرين"و"السكرية" و"قصر الشوق" التي توجته أديبا عالميا ووشحته بوشاح نوبل وجائزته العالمية لتؤرخ تأريخا فنيا وواقعيا لمرحلة في تاريخ مصر من خلال الحارة في علاقاتها الاجتماعية وصيرورتها التاريخية وسياقاتها الزمنية والمكانية جاعلا من ثورة 1919 قطب الرحى ومدار الأحداث والإطار المرجعي وليس صحيحا ما زعمه لويس عوض من أن الرواية أضرت بأحداث ثورة 1919 ولم تتناول تفاصيلها وخلفياتها وأحداثها فقد كانت مهمة الكاتب التأسيس الفني وليس التوثيق التاريخي وطبعا دون إهمال التاريخ.
في المرحلة الثالثة اتجه الكاتب إلى الرمزية دون الاهتمام بالتفاصيل الواقعية حيث تناول القيم والمعاني المجردة كما في روايته الإشكالية "أولاد حارتنا" التي كتبها بعد ثورة يوليو 1952 وبعد توقف عن الكتابة لمدة خمس سنوات من سنة 1952 حتى سنة 1957 وهو تاريخ صدور هذه الرواية التي اتهم فيها الكاتب بالكفر والتطاول على الأنبياء وهي في الواقع تتناول الكفاح الإنساني في البحث عن العدالة والمعرفة وأبطال الرواية إيجابيون يتحركون لصالح الخير وتوحي أسماؤهم بتشابه مع الأنبياء عيسى ،محمد ،موسى آدم دون الغض من قدرهم وقداستهم ومخطئ من يظن أن محفوظ متحرر من كل شعور ديني لقد ظل يقرأ القرآن الكريم حتى آخر يوم في حياته وأكد مرات أنه لم يقرأ كتابا أكثر من مرة واحدة سوى القرآن كما ظل طول عمره مفتونا بصوت القارئين علي محمود والشيخ محمود البربري وسورة الرحمن تهز كيانه كما أن رسالة الماجستير التي فكر في إعدادها كان موضوعها "فلسفة الجمال في الإسلام" لكن الشيخ عمر عبد الرحمن في إحدى خطبه عرض بنجيب محفوظ وندد بموقفه من فتوى إهدار دم سلمان رشدي تلك الفتوى التي أصدرها الخميني والتي أحدثت ضجة عالمية.
إن محفوظ لم يدافع عن سلمان رشدي واعتبر روايته التي لم يقرأها بل سمع تفاصيلها من الأصدقاء مجرد هجص وتجديف وقد كان الأولى الرد عليه لا إهدار دمه لأن في ذلك مصادرة على حرية الفكر والكتابة مما يوحي للعالم بأن المسلمين هم أعداء الحرية والفن وحرية القلم والإبداع فلو تم تجاهل رشدي لمات نكرة ومات روايته معه ولكن الفتوى الخاطئة أعطته قيمة وصدى عالميا وجعلته فارس الحرية وما هو بذلك الفارس.
غير أن إحدى الجماعات الإرهابية نجحت في الوصول إلى الكاتب واعتدت عليه يوم 14 من تشرين الأول 1994 ولولا لطف الله وعنايته لكان قضى في ذلك الحادث بالرغم من أنه ترك أثره النفسي والجسدي عليه مدى العمر.
ومن الخطأ القول بأن محفوظ كان يداهن الحكام وينافقهم بداية بجمال عبد الناصر وانتهاء بحسني مبارك ،صحيح كانوا جميعا يقدرون عبقريته وعطاءه وبكونه صورة مصر المثقفة المبدعة إلى العالم ولكن نجيبا لم يكف عن النقد بغرض لفت الانتباه بغية التصحيح والتعديل ففي "ثرثرة فوق النيل" التي كتبها في عز أيام عبد الناصر نبه إلى أخطاء الثورة كمحنة الضياع وعدم الإحساس بالانتماء إلى حد أن النقاد قارنوا بين أبطال الرواية الحشاشين وجماعة الحشاشين في التاريخ التي أسسها حسن الصباح لكن الفرق جوهري، فالحشاشون في زمن حسن الصباح كانوا يحششون ليرتكبوا الاغتيالات بينما حشاشو ثرثرة فوق النيل يحششون غيبوبة عن العالم وهو انتحار ذاتي.
وفي رواية "اللص والكلاب" تناولت الرواية الرائعة حياة المبدأ ومبدأ الاغتيال ذاته والحلول الغيبية فلجوء البطل سعيد مهران إلى الدرويش سكنه لحظة وأعطاه طمأنينة مؤقتة ولكنه لم يحل مشكلته جوهريا وهكذا هو التصوف والدروشة يعطيان تسكينا مؤقتا وليس حلولا عملية جذرية وعلمية لمشاكل الإنسان ناهيك عن تطليقهما للحياة وبعض الدروشة انجرف إلى العنف.
أما رواية "ميرامار" فقد تطرقت إلى قضية الاتحاد الاشتراكي ومسألة الاستبداد والفساد في أطره ،أما رواية "الشحاذ" فقد عالج فيها محفوظ حالة الضياع والإحباط الذي يحيا فيه المثقفون من خلال تناول حياة مثقف يساري انتهت به الحال إلى سؤال نفسه من أنا؟ ولماذا جئت إلى الدنيا؟
وفي رواية "الكرنك" تناول قضية التعذيب في معتقلات الستينيات الذي كان بطله حمزة بسيوني مدير السجن الحربي وهي الرواية الوحيدة التي كتبها اعتمادا على ما حكي له من قبل بعض الأصدقاء وبعض الضحايا أثناء تردده على مقهى" ريش" رفقة جمال الغيطاني وهو كعادته يدين كل ما من شأنه أن يهين الكرامة الإنسانية ويمارس الاضطهاد على الإنسان ناهيك عن التعذيب، لقد كان التعذيب صفحة سوداء في تاريخ المخابرات وفي مسار ثورة يوليو 1952 وكم من الأبرياء الضحايا الذين ضاعت أعمارهم في السجون! وكافة أشكال القتل والإرهاب النفسي والجسدي والتنكيل حتى إن إعدام سيد قطب الذي اكتشف موهبة محفوظ مبكرا وكتب عنه شكل صدمة له ،فقد كان يعتقد أن مسار الرجل الأدبي يشفع له ويخفف الحكم من الإعدام إلى السجن، لكن الرجل أعدم وصدم محفوظ بذلك كثيرا وبسبب رواية الكرنك ثار اليسار ضده بالرغم من أن مقص الرقيب شطب كثيرا من الفقرات.
وفي عهد السادات واصل الكاتب انتقاده لسياسة الانفتاح من خلا روايات أهمها"أهل القمة"،"الحب فوق هضبة الهرم" و"الباقي من الزمن ساعة" وهي نقد صارم لانحدار الفكر وطغيان الانتهازية والأثرياء لجدد (أثرياء المرحلة) ونقد لعقلية الاستهلاك ويستثنى من ذلك رواية يغلب عليها المرح والبشر والبهجة هي رواية "الحرافيش" ومرجع ذلك إلى أن الكاتب كتبها في إبان انتصارات حرب أكتوبر وما أعقب ذلك من عودة الروح والنشوة بهذا الانتصار الكبير.
حين اندلعت حرب الخليج الثانية وكان قد سبق للكاتب أن أدان احتلال القوات العراقية للكويت وهذا كان موقف الجميع ،مثقفين وسياسيين وجماهير –اللهم إلا من كانت له مآرب شخصية- وقف الكاتب مع مبدأ العقوبات التي تجبر العراق على تحجيم قوته العسكرية لكن الذي لا يقبل منه- جل من لا نقائص له- تصديقه بحكاية أسلحة الدمار الشامل وأن أمريكا والمجتمع الدولي سيجردانه منها لكن الذي فاته أن حكاية أسلحة الدمار الشامل ما كنت إلا ذريعة لتدمير العراق وسرقة خيراته وذاكرته وتاريخه وإرجاعه سنوات طويلة إلى وراء وهكذا تجرد الأمة العربية من قوة علمية وصناعية وعسكرية.
وهو يتمادى في خطئه حين يحمد لمصر ولبعض العرب إرسال قوات لتحارب في صفوف الدول المتحالفة تحت دعوى أن هذه إرادة المجتمع الدولي ويعتبرها حكمة من حسني مبارك الذي كان يعجب به ولا يجد غضاضة في أن يحكم مصر مدى العمر وهذه ثالث خطيئة أكبر من أختيها فليس ذلك سوى تكريس لمبدأ الحاكم الأبدي في النظام الأبدي وهو معذور بحسن نيته وطيبته وإنسانيته، لقد انطلت خدعة أسلحة الدمار الشامل على الكثيرين وصدقوا عرابي الحرب والدعاية الإعلامية وأكاذيب الصورة مع أن الهدف هو نظام عالمي جديد تهندسه النيو ليبرالية تزيد في قوة القوي وضعف الضعيف وتخليد التبعية والهيمنة ولو عاش لغير موقفه لأنه منحاز دائما إلى الإنسان وإلى القيم التي ناضل عنها كالخير والعدل والحرية والكرامة وقد رأى رأي العين ماذا فعل الحصار بأطفال العراق وشيوخه ومرضاه لقد تسبب في موت أكثر من مليون طفل وهي وصمة عار في جبين العالم الرأسمالي المتبجح بالحرية والتقدم والعالمية.
ومازال بعض الكتاب والمثقفين وجماهير عريضة يرددون مقولة يوسف إدريس من أن جائزة نوبل منحت له مكافأة له على موقفه من إسرائيل وفي ذلك ظلم له وعدم معرفة بمواقفه من القضية وتركيبته النفسية والفكرية فالقضية الفلسطينية كانت قطب الرحى في تفكيره وهو نفسه يعترف بأن حرب حزيران 1967 ملأته حماسة بقوة الجيش المصري وقدرته على تحطيم أسطورة إسرائيل وتحرير الأراضي العربية جميعها ولكنه أفاق على السراب فقد كان حزيران نكسة وكارثة وهزيمة ماحقة ثم أدرك بأن إسرائيل هي الغرب نفسه ومن أراد تحطيمها فليحطم أمريكا وفرنسا وإنجلترا وسائر الدول الغربية فدعا إلى الحوار والتفاوض مادامت السنابل فتية ولا تقوى على الصمود في وجه الإعصار فلتنحن قليلا حتى لا تنكسر وتأخذ بالحوار والتفاوض والتقارب مع أمريكا حقوقها ولو بالتدريج ولم يسلم محفوظ من الهجوم والتجريح والشتائم والرمي بالعمالة وكان شعار بورقيبة أيامها مشهورا هو "خذ وطالب" .
عاش محفوظ وفيا لمصريته ولعروبته ولإنسانيته ولم تتزحزح القضية الفلسطينية عن لب تفكيره ولكنه فكر فيها بالعقل لا بالعاطفة وحدها وفهم المتغيرات وسياسة الاستقطاب والمصالح والولاءات وضعف الحيلة العربية أمام العالم الرأسمالي.
إن نيل محفوظ لجائزة نوبل عام 1988 هو اعتراف بإنجازاته الأدبية واعتراف بعالمية الأدب العربي وليس لها علاقة بمواقفه السياسية كما يروج لذلك بعض الناس وقد كان توفيق الحكيم يذهب نفس المذهب فلم لم ينل هذه الجائزة؟
من حسن حظ قراء محفوظ وعشاقه ومن حسن حظ النقاد أنه روى سيرته في شكل مذكرات للناقد رجاء النقاش فهو لم يكب سيرة ذاتية كما فعل مجايلوه أمثال زكي نجيب محمود في "قصة نفس" ولويس عوض في" أوراق العمر" وعبد الرحمن بدوي في "سيرة حياتي" وإن كانت هناك شذرات من سيرته مبثوثة في بعض أعماله فقد اعترف أن شخصية كمال في الثلاثية فيها شبه منه ، لكنه جلس ابتداء من 01أغسطس 1990 مع رجاء النقاش في مقهى "علي بابا" قريبا من ميدان التحرير واستمر يروي مذكراته المسجلة في أشرطة حتى أواخر1991وصدرت في كتاب بعنوان "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ" وقد امتلك الجرأة على تعرية ذاته أمام القارئ بدون نفاق أو تقديم نفسه كشخص فوق الرغبات وأهواء الجسد خصوصا فيما يتعلق بالمسألة الجنسية لولا أنها ومضات –ولكنها صريحة- لا تختلف عن صراحة شكري في الخبز الحافي والشطار وهو مشكور على هذه الصراحة التي عود القارئ عليها وهذه المذكرات مرجع لحياته الفكرية والسياسية والأدبية ومرجع لتاريخ مصر السياسي والثقافي والفكري في القرن العشرين .
من خلال هذا الكتاب يدرك القارئ أن من أسباب نجاح محفوظ ككاتب روائي عالمي يعود أولا إلى الموهبة ثم الكدح في تحصيل المعرفة والإخلاص في الكتابة والذكاء الذي جعله يدرك الوقائع الاجتماعية في عمقها ويحسن ربطها للوصول إلى خلفياتها النفسية والاجتماعية ثم عدم جريه وراء الشهرة والجوائز والمكاسب المادية - وهو لا يضيق بها- ولكن لا يطلبها رأسا فهذه من شأنها أن تجعله كاتبا زائفا مصطنعا – حال بعض الكتاب اليوم- وتواضعه مشهود فعلى الرغم من عالميته ظل البسيط المحب للإنسان الذي لا يغير من عاداته وعلاقاته مع أفراد الشعب البسطاء فلم يكن يكتب من برج عاجي بل كان مندغما في النسيج الاجتماعي وذلك ما أتاح له إدراك صراع الطبقات في عمقه ومن منظور معاينته له واستحق عن جدارة لقب بلزاك الرواية العربية.