حازم الأمين يكتب:

سر اضطراب جورج قرداحي

لبنان عاجز عن أن يشبه نفسه! هو اليوم دولة حزب الله، القرار فيه للحزب، وكذلك الحكومة والبرلمان ورئاسة الجمهورية، إلا أنه يتخبط يوميا بهذه الحقيقة. يخوض أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، وهو من يسمى بمرشد الجمهورية، حرباً يومية على قاض عادي، هو، المحقق العدلي طارق البيطار، إلا أنه يحتاج لكي ينتصر في هذه الحرب إلى بذل مصداقية أين منه بذل ماء الوجه!

والأمثلة على عجز لبنان عن أن يكون نفسه، يومية وكثيرة، لعل آخرها التصريحات المخزية التي أطلقها وزير الإعلام جورج قرداحي، التي أبدى فيها إعجابه ببشار الأسد وبعبد الفتاح السيسي، واعتبر فيها أن الحل الأنجع للمأزق اللبناني هو "انقلاب عسكري موقت"!

والوزير، وهو نجم تلفزيوني ظهر مؤخراً بعد توليه الوزارة في إعلانٍ ترويجي لأحد المصارف، أبدى في نفس رزمة التصريحات رأياً في الحرب اليمنية، فاعتبر أنها حرباً عبثية، وألمح إلى تحفظه على الدور السعودي بها. وفي هذه اللحظة، ولهذا السبب دون غيره من سقطات الوزير، اشتعلت حملة إعلامية عليه، اضطر على إثرها لأن يوضح ويتراجع ويذكر بأفضال السعودية ودول الخليج عليه.

أما رد هذه الوقائع إلى حقيقة عجز لبنان عن أن يكون نفسه، فسببه أن جورج قرداحي وزير في حكومة حزب الله، وهي الحكومة التي لم تتمكن بعد من تلبية طلب مرشدها عزل القاضي بيطار، وها هي عاجزة اليوم عن أن تتيح لوزير إعلامها أن يكون منسجماً مع نفسه لجهة تحفظه على الدور السعودي في اليمن! وهو تحفظ كان يمكن أن يكون عادلاً لولا صدوره عن رجل يقدم الحوثيين على السعودية! لكن وعلى رغم عدم نزاهة "فتوى" قرداحي في الشأن اليمني، إلا أنها تبقى في حدود الرأي الذي لا ينطوي على سقطة أخلاقية. لكن لبنان العاجز عن أن ينسجم مع نفسه دفع الوزير إلى الاعتذار عن رأي عادي، ولم يطلب منه أن يعتذر عن اقتراحه "انقلاباً عسكرياً" ناهيك عن إعجابه بالأسد والسيسي.

لكن، وما الغرابة في أن يتحفظ وزير في دولة يحكمها حزب الله على الدور السعودي في اليمن؟ التحفظ هنا هو أضعف الإيمان طالما أن مرشد الوزير يرسل مقاتلين إلى اليمن لقتال السعوديين! التقية هنا لا تجدي طالما أن الجميع يعلم بهذه الوقائع. التقية هي استجابة لمواراة يمارسها الجميع، ومنهم لبنان والسعودية. والنتيجة أن قرداحي وزير في حكومة لحزب الله فيها الغلبة، وكل محاولات حفظ ماء وجه رئيسها نجيب ميقاتي مع "إخوانه السنة" لن تخفف من هذه الحقيقة.

لكن تخبط لبنان بنفسه والذي يتجلى بتخبط الحزب الحاكم فيه بالمهمة التي يتولاها، وتخبط وزير إعلامه بآرائه النجيبة، يقودنا مجدداً إلى المهمة الصعبة التي تواجه حزب الله! فالحزب امتداد لنماذج سياسية وأيديولوجية حكمت دولاً على نحو أكثر وضوحاً وبساطة، وهي لم تحكم الدول على قاعدة أنها تملك الرأي الفصل في القرارات، إنما على قاعدة أن لا رأي لغيرها في كل شيء! وحزب الله خلال سعيه لأن ينجز خطوات في هذا الاتجاه، يصطدم بقاضٍ من هنا ورئيس حكومة تعنيه "مشاعر" دول الخليج من هناك، وبانتخابات قد يخسرها حلفاؤه، وبطائفة صغيرة عليه أن يراعي أنها قتلت عناصر له! والحزب ليس مرناً ما يكفي لكي يبتلع هذه الحقائق العنيفة، فيبدو بردود أفعاله كمن يصطدم بنفسه، فيطلق أمينه العام تصريحات تفضي إلى حشد همة الخصوم وراء سمير جعجع.

وأمام هذا السيناريو المتواصل ربما علينا أن نجترح تفسيرات من خارج صندوق التفسيرات التي دأبنا عليها، منها مثلاً أن حزب الله يحكم لبنان، لكنه لا يعرف أنه يحكم لبنان، ذاك أن تفسير حيرته بأنه غير مطمئن لحكمه لا تكفي، فكل منظومات الحكم في المنطقة غير مطمئنة لاستقرار سلطاتها. وربما هنا علينا أن نباشر بالتفكير بأن حزب الله لا يدرك أنه سلطة، وأننا نتبادل معه انعدام الثقة بأنفسنا، نحن كمحكومين وهو كحاكم.

أما وزير الإعلام اللبناني الذي عاش بالأمس يوماً قاسياً، فهو أيضاً يتخبط بحيرة مصدرها ذلك العجز عن أن يكون نفسه، وهو واجه الموقف الذي وجد نفسه فيه على نحو ما كان يواجه المواقف في برامجه الترفيهية وفي إطلالاته في الإعلانات التجارية، فشطب وجه حكومته مرة ثانية، فأمضى رئيسها ليلة أخرى غير هانئة بسبب الغضب الخليجي الذي امتد من الكويت إلى الرياض.

---------------------------------

نقلا عن الحرة

مقالات سابقة