فهد سليمان الشقيران يكتب:
الطائرات المسيّرة وشكل الإرهاب الحديث
يروي قائد حركة «الجهاد» المصرية نبيل نعيم، أن أسامة بن لادن أسس مشروعاً للبحث في سبل الحصول على تقنيات معينة لاستعمال الأسلحة الفتاكة. أجرى مجموعة من الاتصالات والاجتماعات بمندوبين من آسيا، باعوه مجموعة من الحاويات، وقاموا بتدريب بعض عناصر «القاعدة» عليها، قبضوا من بن لادن مبالغ باهظة، ليكتشف التنظيم بعدها أنه واقع تحت عملية نصبٍ كبيرة. الحادثة هذه تمنحنا تصور السعي الحثيث من قبل التنظيمات الإرهابية بغية التطور التقني والتكنولوجي لتحسين كفاءتها في التدريب، وتغيير قواعد الاشتباك، وتجويد طرق الاستهداف.
منذ عقدين وأكثر والتنظيمات الإرهابية الشيعية والسنية تحاول العثور على أسلحة فارقة تحسم المعارك، وتستفيد من ثورة التكنولوجيا لغرض الإثخان في الأرض، والوصول إلى الأهداف الصعبة. لم تتطور «القاعدة» تكنولوجياً، لكن سبقها لذلك «حزب الله» في لبنان، ونسخه في عدد من المناطق ومنها العراق. صحيح أن «داعش» و«طالبان» استخدما تقنيات متطورة، منها الطائرات المسيّرة، ولكن الأمر لدى «حزب الله» ونسخه في العالم الإسلامي تبدو مختلفة.
بالنسبة لـ«حزب الله» فهو المستفيد الأول من التجارب الإيرانية التقنية التي استثمرت في تعدد برامج الطائرات المسيّرة وتقدمها، بخاصة لدى الصين التي تمتلك أكثر من خمس وعشرين منظومة لتطوير تلك الطائرات، واستوردت من جنوب أفريقيا بعض المسيّرات، لتصنع إيران لاحقاً طائرتها «سفيرة الموت» في أوائل الألفية، وبرر النظام الإيراني صناعتها بأنها «رسالة للصداقة والسلام». فيما بعد باتت أسماء المسيّرات الإيرانية لا تعد ولا تحصى.
الباحث في الإرهاب والعنف السياسي مايكل بويل، كتب دراسة بعنوان: «تكاليف حرب الطائرات من دون طيار ونتائجها»، فيها رأى أن تزويد إيران النظام السوري و«حزب الله» بهذه الطائرات من المؤشرات الخطيرة على التطور الذي لحق هذه التقنية، ومن الممكن أن لا تبقى فقط بيد الدول المعادية مثل إيران وسوريا، بل ستذهب للتنظيمات الإرهابية، وبالفعل حدث ذلك حين أعلن «حزب الله» عن استهدافه لأراضٍ إسرائيلية عبر طائرة مسيّرة إيرانية في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2012.
يضخ العالم على هذه الصناعة وتطوير المسيّرات أكثر من مائة مليار دولار، وهي وسيلة فعالة للدول لأغراض ضرب الإرهابيين في أفريقيا واليمن وباكستان وأفغانستان، وبرغم نشوب نقاش أخلاقي حول المسيّرات (كتبت عنه بمقالة في هذه الجريدة بعنوان «الطائرة الذكية... وحالة «تنظيم الشر» نشرت في 4 مايو/ أيار 2014)، غير أن الآية اليوم انقلبت فباتت الحكومات تدرس موضوع الطائرات المسيّرة بيد الإرهابيين. لم تتفوق في استخدامها سوى الجماعات الموالية لإيران، لنتذكر أن «الحرس الثوري» أعلن عن تطويره للصناعات في هذا المجال منذ عام 2017، وتباهى بامتلاك أذرعه لهذا السلاح، ونضرب مثلاً بـ«حزب الله» بنسخه العديدة وبالحوثيين.
من الدراسات المفيدة حول المسيّرات ما كتبه الأستاذ ربيع يحيى بعنوان: «الطائرات من دون طيار... الهيمنة الأميركية والإسرائيلية والقوى الصاعدة»، وضع على الهامش ملاحظة مبكرة (نشر الكتاب عام 2014)، وتشير الملاحظة للإرهاب ومخاطر استخدام الطائرات المسيّرة، ويمكنني تلخيص قوله بالآتي:
- العمليات لهذه الطائرات تحقق هدفين؛ رفع أعداد الضحايا، وإيجاد حالة من الفوضى والذعر، وتزداد هذه المخاطر في حال تحميل هذه الطائرات أسلحة تدميرٍ شامل، ويمكن أن تحل هذه الطائرات محل العناصر الانتحارية، وتضاعف الخسائر التي يمكن أن يحدثها استخدام الإرهابي حزاماً ناسفاً على سبيل المثال.
- يمكن للإرهاب الاستفادة من المساحة التي تمنحها الطائرة المسيّرة لتنفيذ عدد كبير من العمليات البرية والمناطق المكتظة بالسكان، بخاصة إذا طورت تقنياتها لتحمل أسلحة كيماوية وبيولوجية.
- تمنح المسيّرات الإرهابيين فرصاً أكبر للإفلات من الرصد الأمني، ودقة إصابة الهدف مع تقنية التوجيه عن بعد، بالإضافة للاختراق المحتمل للدفاعات الجوية حين تحلق على ارتفاعٍ منخفض، هذا علاوة على كونها وسيلة ضغط نفسية اجتماعية وسياسية. (انظر ص: 87/86).
العملية الأخيرة التي استهدفت الكاظمي هزت المنطقة والعالم بسبب مؤشرها الخطير، إذ تمنح هذه المسيّرات الإرهابيين فرص التجدد لاستهداف الخصوم، حسن نصر الله زعيم «حزب الله» الإرهابي تحدث في خطابٍ له عن إمكانية استهداف الخصوم حتى وهم فوق الجبال، هذا تهديد باستخدام الطائرات المسيّرة ضد سياسيين مناهضين له.
إن محاولة اغتيال الكاظمي تشكل نقلة نحو إرهاب أعنف بسبب هذه التقنية الكارثية التي وقعت بيد الإرهابيين، ويمكنهم تطوير استخدامها في التفجيرات وعمليات الاغتيال، مما ينقلهم من استراتيجية الجسد المفخخ، إلى المسيّرة المفخخة، وهذا حدث بالفعل بشكلٍ تدريجي منذ بضع سنوات.
في 21 يونيو (حزيران) 2021 نشر مركز «المستقبل» الإماراتي عرضاً لدراسة نشرت بدورية «كلية الحرب الأميركية»، في عددها الثاني لهذا العام، تحت عنوان: «المنطق القسري لاستخدام المقاتلين للطائرات بدون طيار»، أعده أوستن دكتور وجيمس والش، العرض من إعداد عبد المنعم محمد، خلاصة الدراسة كالآتي:
- تستخدم الجماعات الإرهابية الطائرات بدون طيار لعدة اعتبارات، كونها غير مكلفة، ويسهل الحصول عليها، علاوة على سهولة تصنيعها وإنتاجها، كما أن تزايد أعداد الدول المنتجة والمصدرة لهذا التقنية يمكن أن يسهل حصول الجماعات المسلحة عليها، كما يمكن أن توظفها دول معينة لتحقيق ودعم سياستها الخارجية، كما هو الحال بالنسبة لإيران التي تزود «حزب الله» والحوثيين بأنواع متطورة من الطائرات بدون طيار.
- توفر الطائرات بدون طيار عدداً من المزايا للجماعات المسلحة من بينها: سهولة تشغيلها واستخدامها مقارنة بالأنظمة الأخرى الأكثر تطوراً مثل الصواريخ من طراز «كروز»، علاوة على تكلفتها المنخفضة، حيث تُقدر تكلفة إنتاج الطائرة المستخدمة في هجمات منشآت «أرامكو» السعودية في سبتمبر (أيلول) 2019 بأقل من 15 ألف دولار، وهي تكلفة منخفضة بالنسبة للجماعات الإرهابية إذ ما تم مقارنتها بالنمط القائم على تفجير انتحاري بسيارة مفخخة، التي تتراوح ما بين 13 إلى 20 ألف دولار.
- تلك التقنية تُحد من المخاطرة والتضحية بالعنصر البشري، إذ لا تحتاج لطاقم على متن الطائرة لتنفيذ العملية. من ناحية أخرى، توفر للمسلحين فرصة الاشتباك مع أهداف قد تكون شديدة الخطورة ويصعب التعاطي معها عبر القوات البرية.
- المسيّرات قد تستخدم لتصفية الحسابات بين الجماعات الإرهابية فيما بينها، كما ضرب «حزب الله» تنظيم «داعش» في سوريا بمسيّرات في أغسطس (آب) عام 2017، وهذا مؤشر آخر على توسيع الأهداف الاستراتيجية لهذه الجماعات.
بآخر المطاف، فإن المسيّرات الآن باتت بيد الإرهابيين بشكلٍ كثيف، وذلك برعاية إيرانية، فـ«الحرس الثوري» لديه مصنع خاص لهذه المسيّرات، ويجد فيها النجاعة لاستهداف الخصوم.
على العالم الانتباه لهذا التحول الكبير في نمط العمليات الإرهابية.. توشك الطائرات المسيّرة المفخخة والموجهة بدقة أن تكون الصرعة الجديدة في عوالم الإرهاب، لا بد من تأسيس تقنيات دقيقة والتيقظ لهذا التطور الخطير، وقلناها من قبل أن الإرهاب يجد وسائله للتجدد والحياة، فله مع كل عقدٍ جولة، ومع كل تقنية نقلة.